مضامين الإنكار لدعوة أولي العزم في القرآن الكريم

شهناز محمد رشيد احمد* و عبد القهار صبري عبدالله  

قسم الدراسات الاسلامية - فاكولتي العلوم الانسانية –جامعة زاخو-اقليم كوردستان-العراق.

تاريخ الاستلام: 03/2023             تاريخ القبول: 05/2023    تاريخ النشر: 11/2023  https://doi.org/10.26436/hjuoz.2023.11.4.1195

الملخص:

جعل الله تعالى الدعوة منهاجا لتبليغ رسالته الى عباده عن طريق الرسل -عليهم السلام- واحتوت الدعوة بعد البلاغ القبول والرد، فمن المدعوين منهم من آمن به ومنهم من أنكر ولم يؤمن به، كما أن الإنكار حصل عند دعوة أولي العزم في كثير من مواطن القرآن الكريم، وتسبب في صنع كثير من التساؤلات ماذا يقصدون به وما هو سبب رفضهم لهذه الدعوة الربانية فساهم هذا البحث في إيجاد الأجوبة لهذه التساؤلات، وتحليل هذا الإنكار وإيراد القصد منه مع ذكر الصيغ التي ساغوا إنكارهم عليه، واستفسار الأسباب التي اعتمدوا عليها لبناء إنكارهم، راجية من الله تعالى الاخلاص والنفع فيه.  

الكلمات الدالة: أسباب الإنكار، أولى العزم، الدعوة، صيغ الإنكار، الاستكبار . 


1.المقدمة

الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، والصلاة والسلام على الأنبياء والمرسلين-عليهم السلام- وعلى آلهم وأصحابهم الطيبين ومن اقتفي بآثارهم إلى يوم الدين اما بعد:

فإن الله سبحانه وتعالى بعد أن خلق الإنسان وجعله خليفة في الأرض وجعل عبوديته وحده غايةَ الخلق أرسل إليهم الأنبياء والرسل -عليهم السلام-، ليريهم طريق الهداية والفلاح في الدنيا والآخرة عن طريق الدعوة إلى الله تعالى في كل فترة من الزمن، لكي لا يكون على الله تعالى حجة بعد الرسل، وأمر الأنبياء-عليهم السلام-، بدعوة أقوامهم بأنسب الطرق وأرقى الأساليب حسب مقتضى بيئاتهم وحضاراتهم، والأنبياء-عليهم السلام-، أدوا أمانة التبليغ على الوجه الذي ينبغي وفيه رضا الله تعالى، لكن موقف الأمم في استجابة دعوة أنبيائها لم يكن موافقاً للمقاصد الإلهية، فأنكروا دعوة أنبيائهم -عليهم السلام-، وجحدوا بآيات الله تعالى، وورد إنكارهم في كثير من المواطن في القرآن الكريم لذلك جعلتُ (مضامين الانكار في دعوة أولي العزم في القرآن الكريم) عنواناً لبحثي لاستفسار حقيقة الإنكار لدعوة أولي العزم -عليهم السلام-، وبيان ما يتعلق به من صيغ وأسباب وغيره ما يقتضيه الموضوع عن طريق البحث والتحليل والاستنباط من خلال الآيات القرآنية الواردة فيه، والاعتماد على المصادر الأصلية التفسيرية المعتمدة والمعتبرة وغيرها من المصادر.

1.1أهمية موضوع البحث :

1.كون الموضوع متعلق بعلم من علوم القرآن وهو تفسير موضوع من مواضعه وهو من أفضل العلوم الشرعية وله المثل الأعلى من بينهم.

2.كون الموضوع متعلق بدعوة أولي العزم في القرآن، لأنها تعتبر من احسن الاقوال وأفضل الاعمال.

3.أهمية معرفة الإنكار في دعوة أولي العزم، والأسباب المذكورة في رفض دعوتهم لإثبات الحكمة البالغة في منهجهم، وبيان ضعف حجج المنكرين للاستدلال على إنكارهم.

2.1 أهداف البحث:

1.        بيان إثبات الإنكار الواردة في دعوة أولي العزم.

2.        تحليل صيغ الإنكار الواردة في دعوة أولي العزم

3.        إبراز الأسباب التي تمسك بها المنكرون لبيان إنكارهم، واستدلال ضعف احتجاجهم.

3.1 خطة البحث: يتكون خطة بحثى من مبحثين وخاتمة كما يلي:

المبحث الاول: صيغ الإنكار في دعوة أولي العزم ويشتمل على مطلبين:

المطلب الاول: صيغة الجحود وموارده في دعوة أولي العزم.  

المطلب الثاني: صيغة التكذيب وموارده في دعوة أولي العزم.

المبحث الثاني: أسباب الإنكار في دعوة أولي العزم ويشتمل على مطلبين:

المطلب الأول: من أسباب الإنكار الاستكبار.     

المطلب الثاني: من أسباب الإنكار التقليد المذموم والاحتجاج بكون أولي العزم -عليهم السلام- والذين اتبعوهم  ليسوا من أشراف القوم:

4.1 الخاتمة:

 بيّنت في الخاتمة أهم النتائج التي توصلنا اليه من خلال البحث مع ذكر قائمة المصادر والمراجع البحث.

2 المبحث الاول: صيغ الإنكار في دعوة أولي العزم ويشتمل على مطلبين

1.2 المطلب الاول: صيغة الجحود وموارده في دعوة أولي العزم:

أولا: بيان مفهوم الجحود: يقصد بالجحود كما ورد في التعاريف (( نفي ما في القلب اثباته   اثبات ما في القلب نفيه، ويقال جحده حقه وبحقه،)) (راغب الاصفهاني ،(2001م)،ج2، ص77)، وينظر:( المراغي، (1986م)، ج7، ص108). أو(( هو أن يعرفَ الله بقلبه، ولا يقُّر ولا يعترفُ بلسانه، فهو كفر جاحد )). (عثمان جمعة ضميرية،( 1417هـ-1996م،ج1، ص337)

نستنتج مما سبق أن الجحود في الدعوة: عبارة عن اعتراضٍ وعدم اقرار ٍبالله تعالى أو بأمرٍ أو نهي ٍوارد منه أو جميعهم باللسان، وتيقن تصديقهم بالقلب، والذي نقصده بإنكار دعوة أولي العزم -عليهم السلام- بصيغة الجحود حيث أن أقوام أولي العزم -عليهم السلام-، أنكروا دعوتهم ولم يؤمنوا بها ظاهرا وكانوا يصدقونها ويؤمنون بها باطنا، كما سيتبين لنا عند ذكر موارده في دعوتهم. 

ثانيا: موارد الجحود في دعوة أولي العزم في القرآن الكريم:

  وردت الجحود لدعوة أولي العزم في كثير من مواضع القرآن الكريم، كالجحود بألهية الله تعالى، وبالكتب السماوية والأنبياء _عليهم السلام _، وغير ذلك من الأوامر والنواهي الإلهية سنبين فيما يأتي مفصلا:

 

الجحود في دعوة موسى _عليه السلام _: بعث الله تعالى رسوله موسى -عليه السلام-، لدعوة قومه وعلى رأسهم فرعون الذي بلغ طغيانه إلى ادعاء الربوبية، إلى توحيد الله تعالى لكي يوحدوا الله تعالى في العبودية والعبادة، لأنهم كانوا في ضلال مبين والكفر بوحدانية الله تعالى واشراكه بالعبادة، فقام موسى -عليه السلام-، بدعوة قومه إلى وحدانية الله تعالى وافراده بالعبادة مستنداً بالحجج البرهانية والجدلية وغيره البراهين العقلية لتقرير دعوته، وأيّده الله تعالى بتسع آيات بيات والمعجزات الإلهية ، ليبرهن على صدق دعوته وصحتها، وهذا مضمون في القرآن الكريم([1])، وما استجابوا لدعوة لله تعالى بعد ما جاءتهم آيات الله تعالى إلا جحودا بها، وكانوا متيقنين بصدقها في أَنفسهم، وإنما جحدوا بها ظلماً وعلواً، مما يدل على ذلك قوله تعالى﴿ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾ (النمل:14). ينظر( ابن كثير،1420هـ - 1999 م،ج1،ص181)و(ابو بكر الجزائري ،1424ه،2003م، ج4، ص9).

قوله:" { وَجَحَدُواْ بِهَا } أي كذَّبوا بها { واستيقنتها أَنفُسُهُمْ } الواو للحالِ أي وقد استيقنتها أي علمتها أنفسُهم علماً يقينياً { ظُلْماً وَعُلُوّاً } أي استكباراً عن الإيمان، { فانظر كَيْفَ كَانَ عاقبة المفسدين } من الإغراقِ على الوجهِ الهائل الذي هو عبرةٌ للعالمين". (أبو السعود، 1422هـ - 2000م، ج5، 174)   

الجحود لدعوة نبينا محمد عليه السلام: بعد ازدياد الكفر والفسق في الأرض بعث الله تعالى رسوله محمداً --، نبياً ورسولاً وأرسله لكافة البشر ولهداية الناس أجمعين إلى الصراط المستقيم، ولم يختصّ بذلك احداً من الأنبياء _عليهم السلام _، كما في قوله تعالى﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ والأرض لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾(الاعراف:158)، صراط وحدانية الله تعالى فمنهم من آمن به ومنهم من كفر، ومن الذين كفروا به اليهود لجحودهم بنبوة نبينا محمد -ﷺ-، بعد أن أَوحاه الله اليه تعالى وجعله نبياً ورسولاً لكافه الناس، وكانوا قبل مبعثه يستنصرون به على مشركي قريش افتخارا بما ورد في كتابهم من صفات آخِرِ نبيٍ الذي سيبعثه الله تعالى في الأرض، اي محمد -ﷺ-، فلما نَزَلَ عليه الوحي وجاءهم بما كانوا يعلمون من قبل أنه الحق من عند الله تعالى، جحدوا بنبوته والوحي الذي نزل عليه أي القرآن الكريم، ومما يدل على ذلك قوله تعالى: ﴿ وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾(البقرة:89). ولما جاءهم في الآية هم: اليهود، والكتاب: هو القرآن الكريم، وكانوا يستفتحون على الذين كفروا من قبل ))وقد كانوا من قبل مجيء هذا الرسول بهذا الكتاب يستنصرون بمجيئه على أعدائهم من المشركين إذا قاتلوهم، يقولون: إنه سيبعث نبي في آخر الزمان)( ( ابن كثير،1420هـ - 1999 م،ج1، ص325). وينظر: (البغوي: 1417 هـ - 1997 م، ج1، ص120)     

2.2 المطلب الثاني: صيغة التكذيب وموارده لدعوة أولي العزم.

أولا: بيان مفهوم التكذيب:

يقصد بالتكذيب هو اعتقاد كذب الرُّسل -عليهم السلام-، وعدم التصديق بما جاؤوا به الرسل-عليهم السلام- امراً كان أو نهياً، فمن كذبهم فيما جاؤوا به ظاهرا أو باطنا فقد كفر ينظر( ابن القيم، 1416 هـ - 1996م ،ج1، ص347) والدليل قوله تعالى:﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ(العنكبوت:68).والتكذيب التصميم على أن الخبر كذب بالقطع عليه ونقيضه التصديق ولا تطلق صفة المكذب إلا لمن كذب بالحق لأنها صفة ذم". (أبو الهلال العسكري: 1420هـ - 1999م، ج1، ص41) والكذب في حق الانبياء محال وذلك لانهم يتصفون بالصدق المطلق فيوجب تصديقهم فالكذب في دعوى الرسالة ممتنع عقلا في جميع الانبياء فالمعجزات مما صدقهم الله تعالى بها في دعواهم فتكذيبهم يؤدي الى الكذب في خبر الله و هو محال وما يؤدي الى محال فهو محال فبذلك يثبت بانهم جميعا صادقون والكذب في حقهم محال لذلك يحق على من يكذبهم المثوى المذكورة في الاية الكريمة (النويهي، ٢٠٢١م، ١٢٧).

ثانياً: موارد التكذيب  لدعوة أولي العزم في القرآن الكريم

التكذيب لدعوة نوح -عليه السلام-: أرسل الله تعالى نوحاً -عليه السلام- إلى قومه نبياً ورسولاً، وامره بدعوة قومه إلى وحدانية الله تعالى وعبادته وحده، بدليل قوله تعالى ﴿لَقَدْ أرسلنَا نُوحًا إلى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ( الاعراف:59) )) أقسم ربنا جل ثناؤه للمخاطبين بهذه الآية: أنه أرسل نوحاً إلى قومه، منذرَهم بأسَه، ومخوِّفَهم سَخَطه، على عبادتهم غيره، فقال لمن كفر منهم: يا قوم، اعبدوا الله تعالى الذي له العبادة، وذِلُّوا له بالطاعة، واخضعوا له بالاستكانة، ودعوا عبادة ما سواه من الأنداد والآلهة، فإنه ليس لكم معبودٌ يستوجب عليكم العبادةَ غيرُه، فإني أخاف عليكم إن لم تفعلوا ذلك "عذابَ يوم عظيم"، يعني: عذابَ يوم يعظم فيه بلاؤكم بمجيئه إياكم بسخط ربِّكم((( الطبري، 1420 هـ - 2000 م، ج12، ص498). قد دلت الآية على قيام نوح -عليه السلام-، بدعوة قومه وأنها استغرقت الف سنة الا خمسين عاما([2])، واستخدم فيها أرقى الأساليب وأنسب الطُرق وحرص على هدايتهم، وفي النتيجة لم يؤمنوا به الا قليلاً، بل قد ثبت تكذيبهم له ودعوته في آيات عديدة([3])، واتهموه بكثير من الاتهامات منها بالجنون وغير ذلك، كما في قوله تعالى:﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ(القمر:9).

التكذيب بدعوة ابراهيم -علية السلام-: عندما تختل العقيدة وتؤدى إلى الاعوجاج عن الطريق المستقيم سينبثق منه الفساد الأمني والاجتماعي والاخلاقي وغيرها، استعانة من ازدياد الكفر والشرك والظلم في المجتمع، لذلك أوَّل ما جاء به الرسل -عليهم السلام- ودعوا اليه كان تصحيح العقيدة وتنقيتها من الكفر والشرك، وعندما اتسم قوم ابراهيم _عليه السلام_ بهذه الصفات منها ازدياد عبادة الاوثان وعبادة الكواكب وغيرها من ظهور أنواع الظلم، أرسل الله تعالى رسوله ابراهيم _عليه السلام_،إليهم ليرشدهم إلى نور الإيمان بالله تعالى وحده، والهداية بالحق وينجيهم من ظلمات الكفر وعذاب الله الشديد، فحمَّل رسوله -عليه السلام- أمانة التبليغ ودعا قومه إلى ما بعث اليه، فبدأ من الأقرب فالأقرب، وكان أبوه آزر من أقرب الناس اليه، فقام يدعوه إلى الحقِّ؛ لأنه كان قد عَمِىَ في ظلمات الكفر والشرك، وكانت عبادة الاوثان تجري في نفسه كما يجري الدم في قلبه، وسلك طريقة في دعوته يبرق معها رفق الابن بابيه، كما في قوله تعالى:﴿ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا﴾(الحج:43). فاستعمال لفظة يا أبتِ نورت دعوته رفقاً ورحمة به مع أنه كان كافراً، وبيَّن له عاقبته ان استمر على عقيدته، ويشير ذلك إلى رفعة الاخلاق الرباني الذي علَّمه ربه أن يقتدي به في دعوته، وفي النتيجة كفر بدعوته ولم يؤمن بالحق الذي جاء به، ولم يكتف بكفره بل هدَّده بالتعذيب اذا لم يدعه شأنه في أمر دعوته([4])، ثم انتقل إلى الطبقة الثانية قرابة وهم قومه، فقام يدعو قومه إلى عبادة الله وحده وترك عبادة الاوثان، وبلّغ رسالة ربه بأسلوب النصح والارشاد المؤيد بالدلائل القطعية والحجج البرهانية لتثبيت عقيدة التوحيد في قلوبهم، واخراجهم من ضلالة الكفر إلى نور الإيمان، وما كان ثوابه على ما بذله من جهد وما تعرّض اليه من صعوبات وعوائق في مسيرته الدعوية وبيان كل ما أمره الله -عز وجل- إلا تكذيباً به وعدم تصديق بدعوته، كما يدل ذلك قوله تعالى:﴿ وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ (42) وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوط﴾(الحج:43) (( وإن يكذّبك يا محمد هؤلاء المشركون بالله تعالى على ما آتيتَهم به من الحق والبرهان ،...، فقد كذَّبت قبلهم يعني مشركي قريش; قوم نوح، وقوم عاد وثمود، وقوم إبراهيم، وقوم لوط، وأصحاب مدين، وهم قوم شعيب. يقول: كذَّب كلّ هؤلاء رسلهم –عليهم السلام-،))( الطبري ،1420 هـ - 2000 م، ج18، ص652). وينظر(السمرقندي، 1399هـ - 1979م، ج2، 463).

التكذيب بدعوة عيسى -عليه السلام-: ميّز الله تعالى عبده ورسوله عيسى -عليه السلام- بولادته المعجزة دون أب بأمر من الله تعالى، وأمه كانت صالحة عابدة مريم بنت عمران، ثم بعد ولادته جعل الله تعالى تكليمه في المهد معجزة ثانية لبني اسرائيل، وتبرئة للإفك التي افتروا عليها اليهود طعناً في عرضها،﴿ وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً﴾ (النساء: 156)، وما هذه المعجزات الاّ لتهيئته مقام النبوة حتى يكون رسولاً ونبياً ويحمل رسالة ربه، كانت البيئة التي يدعو فيها عيسى -عليه السلام- مليئة بالكفر والشرك وغيره من المحرمات، ولدخول الانحرافات على عقيدتها الصحيحة لم يبقوا على ملة نبيهم موسى -عليه السلام- ، فعلمه الله  الكتاب والحكمة والتوراة والانجيل كما في قوله تعالى ﴿وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ﴾(آل عمران:48)

 {الكتاب} أي الكتابة والخط {والحكمة} العلم والفقه {والتوراة والإنجيل} علمه الله التوراة الكتاب(البغوى، 1417 هـ - 1997م ،ج2، ص 39) المنزل على موسى -عليه السلام- والإنجيل المنزل على عيسى _عليه السلام_، واختاره أن يكون رسولاً إلى بني اسرائيل، وأيده بكثير من المعجزات لبرهنة نبوته وصحة دعوته، فأطاع الله تعالى وافتتح دعوته لقومه باطلاعهم على المعجزات التي آتاه الله تعالى إياها تصديقاً على صدق نبوته وحقيقة دعوته، ومما يدل على ذلك قوله تعالى:﴿ وَرسولاً إلى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين﴾(ال عمران:49). فكانت استجابة قومه حادة وعداوة وبغضاً كاليهود من بني اسرائيل؛ فإنهم واجهوا دعوته بالاعتراض والتكذيب والاتهام حيث اتهموه بالسحر، كما يدل على ذلك قوله تعالى: ﴿ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ ،...، وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾(المائدة:110).)) واذكر أيضًا نعمتي عليك بكفِّي عنك بني إسرائيل إذ كففتهم عنك، وقد هموا بقتلك "إذ جئتهم بالبينات"، يقول: إذ جئتهم بالأدِلة والأعلام المعجزة على نبوّتك، وحقيقة ما أرسلتك به إليهم. "فقال الذين كفروا منهم"، يقول تعالى ذكره: فقال الذين جحدُوا نبوَّتك وكذبوك من بني إسرائيل "إن هذا إلا سحر مبين" ((( الطبري، 1420 هـ - 2000 م، ج11، ص216). وينظر: (ابن كثير، قصص الأنبياء، 1408هـ - 1987م، ج1، ص515). وهكذا ثبت تكذيبهم لآيات الله تعالى، وقاموا يمكرون به حتى توصل إلى التفكير بقتل نبييهم، وهذا لم يكن بعيداً عن معتقدهم وافعالهم؛ لأنهم قتلوا كثيراً من انبياءِ الله تعالى بعد بعثتهم لهم، وعلى سبيل المثال زكريا وابنه يحيى -عليهما السلام-، فمن حكمة الله تعالى وتقديره لم يستطيعوا قتله رغم محاولتهم، فحفظه الله تعالى بوجه خارق للعادة حيث لم يفهموا ان الله تعالى نومه ورفعه اليه بل شبه لهم حتى يظنوا انهم قتلوه، كلامنا عن هذه الواقعة مبرهن في كثير من الآيات القرآنية.

3المبحث الثاني: أسباب الإنكار لدعوة أولي العزم ويشتمل على مطلبين

  1.3المطلب الأول: من أسباب الإنكار الاستكبار:     

يعتبر الاستكبار من الأسباب المؤثرة التي تسبب في امتناع قبول الحق، والإيمان بدعوة الرسل -عليهم السلام- وأولي العزم خصوصا، وتسببه ثابت في القرآن الكريم من خلال الآيات التي قصَّ الله تعالى فيها قصص دعوة الأنبياء -عليهم السلام-، ومن الجدير بالذكر أن نُبيِّن الفرق بين الاستكبار والكبر لبيان العلاقة بينهما: الاستكبار هو طلب الكبر من غير استحقاق، أما الكبر فهو قد يكون باستحقاق وقد لا يكون به،(أبو الهلال العسكري: 1420هـ - 1999م، ج1، ص41) فبينمها علاقة خصوص وعموم، فكل استكبار كبر وليس كل كبر استكبار، ويقصد بالاستكبار ))الامتناع عن قبول الحق معاندة وتكبراً((.(الازهري،(2001م)،ج10،ص121)، وينظر: (إبراهيم مصطفى وآخرون، 1423هـ - 2003م، ج2، ص773).

      

إثبات تسبب الاستكبار في انكار دعوة أولي العزم: بعد ما وضّحنا المقصود بالاستكبار يأتي دور اثباته كسبب فعّال لإنكار الدعوة، ويتجلى اثباته في مواطن الآيات القرآنية التي قص فيه مشاهد القصص الدعوية للرسل -عليهم السلام- عموماً وأولي العزم خصوصا، كما اذا تتبّعنا قصة دعوة نوح -عليه السلام- عندما يخاطب ربه -عز وجل- في قوله تعالى: ﴿ وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا﴾(نوح: 7). ذكر نوح -عليه السلام- حال قومه اتجاه دعوته وأخبر(( وإني كلما دعوتهم إلى الإقرار بوحدانيتك، والعمل بطاعتك، والبراءة من عبادة كلّ ما سواك، لتغفر لهم إذا هم فعلوا ذلك جعلوا أصابعهم في آذانهم لئلا يسمعوا دعائي إياهم إلى ذلك (وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ) يقول: وتغشوا في ثيابهم، وتغطوا بها لئلا يسمعوا دعائي ،...،(وَأَصَرُّوا) يقول: وثبتوا على ما هم عليه من الكفر وأقاموا عليه،...،(وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا ) يقول: وتكبروا فتعاظموا عن الإذعان للحقّ، وقبول ما دعوتهم إليه من النصيحة)) ( الطبري، 1420 هـ - 2000 م، ج12، ص498). وينظر: (حامد البسيوني، 1426هـ - 2005م، ج1، ص89). فتبين لنا من خلال الآية أن السبب الرئيسي في انكار دعوة قوم نوح -عليه السلام- كان استكباراً حيث جعلهم مصرين على كفرهم و شركهم،ولم يؤمنوا به حتى وصلتهم العقوبة الإلهية على كفرهم.

2.3المطلب الثاني:

من أسباب الإنكار التقليد المذموم المحرم(الاعمى)، والاحتجاج بكون أولي العزم -عليهم السلام- والذين اتبعوهم  ليسوا من أشراف القوم:

أولا: من أسباب الإنكار التقليد المذموم المحرم(الاعمى):  

يعد التقليد الأعمى من أسباب مقاومة دعوة أولي العزم -عليهم السلام- إلى الحق المبين الذي جاء بهم من قبل أقوامهم واصرارهم على الكفر والشرك، ويقصد به ((عبارة عن اتباع الإنسان غيره فيما يقول أو يفعل، معتقدًا للحقيقة فيه من غير نظر وتأمل في الدليل، كأن هذا المتبع جعل قول الغير أو فعله قلادة في عنقه، وعبارة عن قبول قول الغير بلا حجة ولا دليل)).(الجرجاني، 1403هـ -1983م، ص90). ومن ضمنها تقليد الآباء والأجداد في أمر الكفر والشرك في أصول العقيدة، وهي من الطرق التي من خلالها تسلط الشيطان على بنى آدم –عليه السلام-، وحرفوا عقيدتهم حتى جعلهم يعندون على عبادة آبائهم وإن كانوا على ضلال مبين، وهذا العمل قد ذمّه الله تعالى في مواضع متعددة في كتابه العزيز؛ لذلك سمي هذا النوع بالتقليد المذموم)) فَإِن إبليس زين للمقلدين أن الأدلة قد تشتبه، والصواب قد يخفي والتقليد سليم، وَقَدْ ضل فِي هَذَا الطريق خلق كثير وبه هلاك عامة الناس، فإن اليهود والنصارى قلدوا آباءهم وعلماءهم فضلوا؛ وكذلك أهل الجاهلية، واعلم أن العلة التي بِهَا مدحوا التقليد بِهَا يذم؛ لأنه إذا كانت الأدلة تشتبه والصواب يخفي وجب هجر التقليد لئلا يوقع فِي ضلال، وقد ذم اللَّه سبحانه وتعالى الواقفين مَعَ تقليد آبائهم وأسلافهم، فَقَالَ تعالى: ﴿... إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ * قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ﴾(الزخرف:23-24).المعنى أتتبعونهم وَقَدْ قَالَ تعالى: ﴿ إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ * فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ﴾(الصافات:69-70). أعلم أن المقلد عَلَى غير ثقة فيما قلد فيه وفي التقليد إبطال منفعة العقل؛ لأنه إنما خلق للتأمل والتدبر، وقبيح بمن أعطي شمعة يستضيء بِهَا أن يطفئها ويمشي فِي الظلمة )).(ابن الجوزي ،1421ه2001م، ج1، ص74)، والأنبياء-عليهم السلام-حثّوا على إبطال التقليد وأصروا على تركه؛ لأن الأمر الذي كانوا يقلدونه كان فاسداً باعتبار الصحة والبطلان، وقد يقلدون أمراً باطلا من حيث الاعتقاد كالشرك وغيره، فيتعرضون إلى سخط الله تعالى أعاذنا الله تعالى منها. 

إثبات تسبب التقليد المذموم المحرم (الاعمى) لإنكار دعوة أولي العزم: ثبت تسبب التقليد الاعمى لإنكار دعوة أولي العزم من خلال الحوارات الواردة بين الرسل _عليهم السلام_ وأقوامهم أثناء دعوتهم إلى الحق المبين، ومن صور هذه الحوارات حوار إبراهيم -عليه السلام-، مع ابيه وقومه بسؤاله إليهم كما في قوله تعالى:﴿ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52) قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ (الأنبياء:51-52)، بعدما سألهم عن سبب عبادتهم للأصنام وإشراكهم بالله تعالى، وعدم إيمانهم بوحدانيته، فاحتجّ قومه لفعلهم بأن آبائهم كانوا سائرين على هذا النهج وعليهم الاقتداء به، وأجابه انهم يعبدون الاصنام تقليدا لعبادة آبائهم إياها من غير النظر والاستدلال لكون الفعل من جهة الصحة والبطلان، ومن أمثلتها حوار نبينا محمد_ صلى الله عليه وسلم _ مع المشركين كما في قوله تعالى﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ(البقرة:170). (( أخبر تعالى عن حال المشركين إذا أمروا باتباع ما أنزل الله على رسوله،...، رغبوا عن ذلك وقالوا: {بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} فاكتفوا بتقليد الآباء، وزهدوا في الإيمان بالأنبياء، ومع هذا فآباؤهم أجهل الناس، وأشدهم ضلالاً وهذه شبهة لرد الحق واهية، فهذا دليل على إعراضهم عن الحق، ورغبتهم عنه، وعدم إنصافهم، فلو هدوا لرشدهم، وحسن قصدهم، لكان الحق هو القصد، ومن جعل الحق قصده، ووازن بينه وبين غيره، تبين له الحق قطعا، واتبعه إن كان منصفا))، (السعدي،1420هـ -2000 م، ج1، ص81). حيث حينما دعاهم إلى الاسلام بأن يعبدوا الله تعالى وحده ولا يشركوا به شيئاً، أعرضوا عن دعوة نبيهم وحرصوا على الاقتداء بمسلك آباءهم، كما قال تعالى:﴿ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ ينظر(القرطبي ، 1384هـ - 1964 م،  ج11 ، ص 296).       

ثانيا: من أسباب الإنكار الاحتجاج بكون أولي العزم -عليهم السلام- والذين اتبعوهم  ليسوا من أشراف القوم:

من المعلوم أن البيئة الاجتماعية التي بعث فيه أولي العزم كانت تتضمن من اكثر طبقة، منها: طبقة سادات وأشراف القوم وغيرها طبقة أفراد المجتمع الاعتيادي، ومن الاقوام من احتجوا لإنكار دعوة نبيهم بأنه ليس من اشراف القوم بينهم، وليس له جاه ومنصب،  كما أن الذين اتبعوهم السفلة وبادئ الراي من دون تفكيركما  لنوح -عليه السلام- مع قومه كما في قوله تعالى:﴿ فَقَالَ الْمَلأ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ﴾(هود:27). (( { فَقَالَ الْمَلأ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ } والملأ هم: السادة والكبراء من الكافرين منهم: { مَا نَرَاكَ إِلا بَشَرًا مِثْلَنَا } أي: لست بملك، ولكنك بشر، فكيف أوحي إليك من دوننا؟ ثم ما نراك اتبعك إلا أراذلنا، كالباعة والحاكة وأشباههم، ولم يتبعك الأشراف ولا الرؤساء منا، ثم هؤلاء الذين اتبعوك لم يكن عن تَرَوّ منهم ولا فكرة ولا نظر، بل بمجرد ما دعوتهم أجابوك فاتبعوك؛ ولهذا قال: { وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ} أي: في أول بادئ الرأي، {وما نرى لكم علينا من فضل} يقولون: ما رأينا لكم علينا فضيلة في خَلْق ولا خُلُق، ولا رزق ولا حال، لما دخلتم في دينكم هذا، { بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ } أي: فيما تَدَّعونه لكم من البر والصلاح والعبادة، والسعادة في الدار الآخرة إذا صرتم إليها))( ابن كثير،1388هـ -1968 ،ج4، ص316). وينظر: (البروسي، 1412هـ - 1992م، ج4، ص116).واحتجاجهم هذا مبني على الجهل وليس في محله؛ لأن كون الأنبياء من أشراف القوم لا يستلزم صدق دعواهم، كما أن كونهم من غير سادات القوم لا يعني عدم صحة ما يدّعونه، بل يتوقف صدق الدعوة اذا كان حقاً ومبنية على البلاغ المبين اعتمادا على الحجج والبراهين لتقريره من غير نظر كون الأنبياء من اشراف القوم او غيرهم، وأما اعتبار الذين اتبعوه من الاراذل وبادئ الرأي، ويقصد بكلامهم تقليل شأنهم ويفهم من حجتهم قاعدة  وهو يعرف صحة الدعوة باتباع اشراف القوم لها وهي قاعدة فاسدة؛ لأن كون المتبعين من غير أشراف القوم لا يدل على فساد الدعوة، ولا يكمن معيار الحق باعتبار المتبعين.  ينظر:( ابن كثير،1388 هـ - 1968 م ،ج4، ص316).  

4 الخاتمة

احمد الله تعالى الذي بفضله قدرت أن أكمل هذا البحث، وأسأله أن يجعله ذا نفع لكلِّ من يقرأ، وأهم نتائج  البحث يمكننا ان نلخصها فيما يلي:

1.أن الإنكار وردت في دعوة أولي العزم بصيغ مختلفة منها: الجحود والتكذيب، والمنكرون استندوا على بعض الأسباب لبرهنة إنكارهم منها الاستكبار وتقليد الآباء (الاعمى) وغيره.

2. احتجاج المنكرين المستند على الاتهامات والاباطيل تبرهن ضعف استدلالهم، وتدل على مصداقية دعوة أولي العزم وقوة منهجهم في بيانها وتبليغها.

3. ومن أسباب ضعف استدلالهم، أنه لم يكن لديهم براهين صادقة تحاجج أدلتهم، فتمسكوا بالاتهامات لخلق أسباب يتمكن من خلالها يَبْنِ إنكارهم.

4. التقليد الأعمى والمذموم – خاصة تقليد الآباء- من أهم الأسباب التي كانوا يعبدون الأصنام، ويشركون بالله تعالى، وينكرون دعوة الأنبياء عليهم السلام وخاصة أولوا العزم منهم. 

5. للإنكار آثار عظيمة ومخيفة، وقد عاقب الله تعالى المنكرين من الأمم السابقة بالفناء في الدنيا والهلاك بأشد أنواع العذاب في الاخرة لتبين لنا مدى خطورته.

5 المصادر و المراجع

1.         الازهري: محمد بن أحمد بن الأزهري الهروي، أبو منصور (المتوفى: 370هـ)، تهذيب اللغة، تحقيق: محمد عوض مرعب ، الناشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت، الطبعة: الأولى، 2001م.

2.         إبراهيم مصطفى . أحمد الزيات ـ حامد عبد القادر ـ محمد النجار: معجم الوسيط، تحقيق: مجمع اللغة العربية، دار الدعوة، الطبعة: الأولى، 1423هـ - 2003م.

3.         البروسوي: إسماعيل حقي بن مصطفى الإستانبولي الحنفي الخلوتي, المولى أبو الفداء (ت: 1127هـ)، روح البيان، دار الفكر- بيروت، 1412هـ - 1992م.

4.         البغوي: محيي السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود (ت 510هـ)،  معالم التنزيل، المحقق: حققه وخرج أحاديثه محمد عبد الله النمر - عثمان جمعة ضميرية - سليمان مسلم الحرش، الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع، الطبعة: الرابعة ، 1417 هـ - 1997 م.

5.         أبو بكر الجزائري: جابر بن موسى بن عبد القادر بن جابر(ت 1439هـ)، أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، المملكة العربية السعودية ، الطبعة: الخامسة، 1424هـ/2003م.

6.         الجرجاني، علي بن محمد بن علي الزين (ت 816هـ)، كتاب التعريفات، المحقق: ضبطه وصححه جماعة من العلماء بإشراف الناشر، الناشر: دار الكتب العلمية بيروت – لبنان، الطبعة: الأولى 1403هـ -1983م.

7.         الطبري: محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر (ت 310هـ)، جامع البيان في تأويل القرآن، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة: الأولى، 1420 هـ - 2000م.

8.         حامد البسيوني: حامد بن أحمد الطاهر البسيوني، قصص القرآن، دار الحديث- القاهرة، الطبعة: الأولى، 1426هـ - 2005م.

9.         راغب الاصفهاني، أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف(ت 502هـ)، المفردات في غريب القرآن، تحقيق: صفوان عدنان الداودي، دار القلم، الدار الشامية - دمشق بيروت ، الأولى - 1412هـ .

10.      السعدي: عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله (ت 1376هـ)، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، تحقيق: عبد الرحمن بن معلا اللويحق، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة: الأولى، 1420هـ -2000 م.

11.      أبو السعود العمادي: محمد بن محمد بن مصطفى (ت 982هـ)، إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم، الناشر دار إحياء التراث العربي- بيروت، 1422هـ - 2000م.

12.      السمرقندي: أبو الليث نصر بن محمد بن أحمد(ت 367هـ)، بحر العلوم، تحقيق: د محمود مطرجي، دار الفكر- بيروت، 1399هـ - 1979م.

13.      ضميرية: د عثمان جمعة، مدخل لدراسة العقيدة الإسلامية، تقديم: الدكتور/ عبد الله بن عبد الكريم العبادي، مكتبة السوادي للتوزيع، الطبعة الثانية، 1417هـ-1996م.

14.      القرطبي: أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين(ت 671هـ) الجامع لأحكام القرآن = تفسير القرطبي، تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، الناشر: دار الكتب المصرية – القاهرة، الطبعة: الثانية، 1384هـ - 1964م.

15.      ابن قيم الجوزية، محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية (ت 751هـ)، مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين، تحقيق: محمد المعتصم بالله البغدادي، دار الكتاب العربي – بيروت، الطبعة: الثالثة، 1416هـ - 1996م.

16.      ابن كثير: أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (ت 774هـ)، تفسير القرآن العظيم، المحقق: سامي بن محمد سلامة، دار طيبة للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية، 8 الأجزاء، 1420هـ - 1999م.

17.      ابن كثير: أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (ت 774هـ)، قصص الأنبياء، دار ومكتبة الهلال، الطبعة الثانية، 1408هـ - 1987م.

18.      المراغي: أحمد بن مصطفى(ت 1371هـ)، تفسير المراغي، الناشر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر، الطبعة: الأولى، 1365 هـ - 1946م.

19.      أبو الهلال العسكري: الإمام الأديب اللغوي الحسن بن عبدالله بن سهل بن سعد، (ت 395هـ)، الفروق اللغوية، تحقيق: أبي عمرو عماد زكي الباروي، المكتبة التوفيقية، الطبعة الثانية، 1420هـ - 1999م.

20.      النويهي، محمد خليل محمد، بحث عن : الصفات الواجبة في حق الأنبياء (الأمانة والصدق والتبليغ والفطانة أنموذجًا) مجلة دراسات : علوم الشريعة والقانون الصادرة من جامعةالأردن،مج٤٨،ع2021،3



 

 

 

 

 

پێكهاتێن دانپێنه‌دانێ دبانگه‌وازيا پێغه‌مبه‌رێن خودان برياردا دقورئانا پيروزدا

پوخته‌:

خودايێ مه‌زن بانگه‌وازى يا كريه‌ رێباز ژبو گه‌هاندنا په‌ياما خو ب رێكا پێغه‌مبه‌ران (سلاڤێن خودێ لێ بن)، پشتى گه‌هاندنێ بانگه‌وازيێ په‌سندكرن و ره‌تكرن بخوڤه‌ گرتن به‌شه‌ك ژ بانگه‌وازلێكريان باوه‌رى پێ ئينا و به‌شێ دى ژى دانپێنه‌دان پێكرو باوه‌رى نه‌ئينا ،هه‌ر وه‌كى دانپێنه‌دان يا هاتى دبانگه‌وازيا پێغه‌مبه‌رێن خودان بريار (اولوا العزم) دا، دگه‌له‌ك جهان دا دقورئانا پيروزدا و بويه‌ ئه‌گه‌رێ دروستبوونا گه‌له‌ك پرسياران، كا مه‌ره‌م پێ چيه‌ و هه‌روه‌سا ئه‌گه‌رێن ره‌تكرنێ چنه‌ دڤێ بانگه‌وازيا خودايى دا. ژبه‌رهندێ  ئه‌ڤ ڤه‌كولينه‌ هاتيه‌ كرن دا دويفچوونا زانينا به‌رسڤا ڤان پرسياران بكه‌ت و ڤێ دانپێدانێ شروڤه‌ بكه‌ت و مه‌ره‌مێن وێ به‌رچاڤ بكه‌ت و وان  شێوازان دياربكه‌ت ئه‌وێن ل سه‌ر هاتيه‌ بنياتنان دگه‌ل لێپرسينا وان ئه‌گه‌رێن‌ كو پشتبه‌ستن ل سه‌ر هاتيه‌ كرن بو دروستكرنا ڤێ دانپێنه‌دانێ ، هيڤيا مه‌ ئه‌وه‌ مفا ژێ بهێته‌ وه‌رگرتن.

په يڤێن سەرەکی: ئه‌گه‌رێن‌ دانپێنه‌دانێ، پێغه‌مبه‌رێن خودان بريار، بانگه‌وازى،شێوازێن دانپێنه‌دانێ ، خومه زنكرن.

 

 

 

 

 “The implications of denial in the Determined Prophets’ Call (Dawah) in the Holy Qur’an”

Abstract[A1] :

The term "Dawah" or call refers to the comprehensive framework that Allah, the Almighty, established for the purpose of conveying His message to His servants through His messengers (peace be upon them). After the correspondence, an invitation is sent out, hoping for a response. There were believers who answered the call, and there were others who did not. This rejection is mentioned multiple times in the Holy Qur'an in relation to determination. Many inquiries about the significance of this rejection and the motivations behind their decision to reject this divine call have resulted from this. Through an examination of this denial and an explanation of its rationale, this article aims to address these concerns. It also looks at the rhetorical and linguistic devices used by those who disregarded the call. Additionally, it inquires the rationale they relied on to build their denial, hoping from the Almighty God for sincerity and benefit in it.

 

Keywords: Reasons of Denial, Determined Prophets, The Call (Daʿwah), Formulas of Denial, arrogance.

 

 



* الباحث المسؤل.

This is an open access under a CC BY-NC-SA 4.0 license (https://creativecommons.org/licenses/by-nc-sa/4.0/)

 

([1]) ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيات بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا﴾ (الإسراء:101)

([2]) ﴿ وَلَقَدْ أرسلنَا نُوحًا إلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (العنكبوت: 14)

([3]) ﴿ َقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آَيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا﴾(الفرقان: 37)﴿ كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ﴾(الشعراء: 105)

([4])﴿ قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (مريم:46)


 [A1]Paraphrased most of it to make it look more academic.