الإعلام كمنظومة لتطور اللغة، لغة صياغة الأخبار نموذجا
عبدالخالق سلطان محمود*
معهد الفنون الجميلة، دهــوك، اقليم كردستــــان – العراق. (abddoski71@gmail.com)
تاريخ الاستلام: 07/2024 تاريخ القبول: 10/2024 تاريخ النشر: 1/2025 https://doi.org/10.26436/hjuoz.2025.13.1.1468
الملخص:
البحث يتناول قضية لغوية هامة، وهي إشكالية تطور اللغة وتحولاتها المستمرة، والوقوف عند المستويات اللغوية التي يتم فيها التغير، والأشكال التي يتخذها هذا التغير، وبيان دور الإعلام كأداة في هذه العملية. وانطلق البحث من فرضية أن الإعلام يلعب دورا أساسيا في عملية التغيير التي تحدث في جسد اللغة، وقام البحث باعتماد اللغة المستخدمة في تحرير الأخبار الصحفية نموذجا، لبيان مواطن التغيير التي تحصل في اللغة، فجاء البحث بعنوان (الإعلام كمنظومة لتطور اللغة، لغة صياغة الأخبار نموذجا)، ومؤلفا من جزئين: نظري وتطبيقي، بتحليل نماذج لأخبار صحفية يفصل بينها فترات زمنية طويلة، وتوصل البحث بعد التحليل والمقارنة إلى أن للإعلام دورا كبيرا في الحفاظ على ديمومة اللغات، من خلال التغيرات التي يقوم بها وعلى مستويات لغوية عديدة أبرزها المستويين التركيبي والدلالي المعجمي.
الكلمات المفتاحية: اللغة، الإعلام، تطور اللغة، الاتصال، المتلقي.
1. إطار البحث
1.1. أسئلة البحث: ما هو دور الإعلام في عملية تطور اللغة وتغيرها؟ وكيف يحدث هذا التغير وفي أي مستويات اللغة؟
2.1. فرضية البحث: يلعب الإعلام دورا كبيرا في عملية تغير اللغة باستمرار، ويحدث هذا التغير في جميع مستويات اللغة بما فيها المستوى الدلالي (المعجمي) والمستوى التركيبي، ما يمنح اللغة قوة وانتعاشا، يجعلها مؤهلة لاستيعاب تطورات الحياة اليومية بجميع تفاصيلها.
3.1.منهج البحث: اعتمد البحث على المنهج الوصفي التحليلي المقارن في التعريف بماهية اللغة وأنماط تطورها وتغيرها أولاً، وتحليل لغوي (على المستويين التركيبي والدلالي) لنماذج من الأخبار، نشرت في فترات زمنية متباعدة، تصل الى خمسين عاما، وثم إجراء مقارنة بين نتائج تحليل النصوص الثلاثة.
4.1. هدف البحث: يهدف البحث التأكيد على أن اللغة تتغير باستمرار، وأنّ الإعلام بما يمتلكه من سعة في النفوذ، يلعب دورا كبيرا في عملية التغير التي تطال مفاصل اللغات على مستويات مختلفة، ويكون لهذا التغير تأثيره في تطور اللغة وديمومتها بشكل عام.
5.1. أهمية البحث: تكمن أهمية هذا البحث في أنه مزج بين حقلين مهمين، وهما: اللغة والإعلام، ولكون اللغة مازالت تشكل إحدى أبرز أدوات التواصل البشري، والأداة الرئيسة لإبراز المحتوى الإعلامي، في المنصات الإعلامية؛ لذلك ينبغي دراستها بدقة، ومعرفة التغيرات التي تطرأ فيها باستمرار، وبيان المستويات التي تحدث فيها هذه التغيرات وأسبابها، وتأثير ذلك كله في شكل اللغة، وفاعلية استخدامها كوسيلة تواصل داخل المجتمع بشكل عام.
2. مقدمة البحث
شغلت اللغة حيزا كبيرا من الفكر الإنساني منذ فجر التاريخ، واهتم المفكرون والفلاسفة بكيفية نشوئها ومراحل تطورها عبر التاريخ، دارسين تغيراتها المستمرة، ولا عجب في ذلك؛ لأن اللغة كانت وما تزال أداة الإتصال الرئيسة بين الشعوب والأمم، ولكل لغة سحرها وقوتها وعناصرها التي تمدها بالثبات والقوة والاستمرار بالحياة، فاللغة كما قيل: كائن حي، بمعنى أنها تنمو وتتطور وتتغير، وهذا التغير قد يكون إيجابيا وقد يكون سلبيا يؤدي إلى موت اللغة وانقراضها.
وتسعى هذه الدراسة إلى الوقوف على معضلة التغير التي تطال اللغات، وكيفية حدوث هذا التغيير، عبر الآليات التي تستخدمها وسائل الإعلام، على اعتبار أنّ اللغة ما تزال تمثل الأداة الرئيسة المستخدمة في وسائل الإعلام.
وينطلق البحث من فرضية إنّ الإعلام يلعب دورا كبيرا في إحداث التغيرات التي تشهدها اللغة.
وتناول البحث في جزئه النظري التعريف بماهية اللغة، وبيان أنماط تطورها وتغيرها، وكذلك التعريف بالعلاقة التي تربط بين اللغة والإعلام، والوقوف عند مصطلح (لغة الإعلام) ومحاولة التعريف به. وفي جزئه التحليلي ركز البحث على آلية حدوث التغير، ومواطنه والمستويات التي يحدث فيها، من خلال تحليل اللغة التي صيغ بها ثلاثة نصوص إخبارية، تفصل بينهما فترة زمنية مختلفة تصل إلى خمسين عاما، وبعدها يقارن بين نتائج تحليل اللغة التي صيغت تلك بها الأخبار؛ لبيان نوعية التغيرات التي طالت جسد اللغة خلال العقود الخمس الأخيرة بفعل استخدامها داخل المنظومة الإعلامية.
واستعان البحث بالمنهج الوصفي التحليلي المقارن في إثبات الفرضية التي تبناها، مستفيدا من المصادر والدراسات السابقة التي عملت في المجال ذاته، مثل الدراسة التي نشرها (عبدالله عبده أحمد طالب) بعنوان (لغة الخطاب الإعلامي المعاصر - الواقع والمأمول) في العام 2022.
3. المبحث الأول: الجانب النظري
1.3. ماهية اللغة:
ورد في كتب التراث العديد من التعاريف الخاصة باللغة؛ لأن حقل اللغة كان وما يزال حقلا دائم النشاط، وقد عرّف ابن جني اللغة بأنها " أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم"(ابن جني، 2008، 33)
ويقول ابن خلدون في مقدمته عن اللغة بأنها:"عبارة المتكلم عن مقصوده" (ابن خلدون، 1992، 23). وعرّفها ابن الحاجب على أنها " كل لفظ وُضع لمعنى". (ابن الحاجب، 2006، 16)
فنلاحظ هنا أن معظم التعاريف التي ذكرها القدماء آنفا قد ركزت على بيان الوظيفة التي تؤديها اللغة، وهي نقل المعنى، ولكنهم اختلفوا في بيان هيكلية اللغة وتركيبها، فأحدهم حصرها ب(اصوات) وآخر ب(تراكيب) والثالث ب(لفظ) في حين أن اللغة تشمل الأصوات والألفاظ والتراكيب والمعاني، فضلا عن الدلالات التي تتغير بتغير السياقات والمقاصد.
و تناولت الدراسات الحديثة اللغة كوحدة واحدة، فنجد رائد الدراسات اللغوية الحديثة في علم اللسانيات (دي سوسیر) لا ينظر الى اللغة على أنها مجرد أصوات وألفاظ وعبارات، بل يراها وسيلة اتصال إنسانية، تقوم على محورين أساسيين أولهما: النظام اللغوي المكون من مجموعة القواعد النحوية والصرفية والمعجمية الفطرية والمكتسبة المختزنة في العقل البشري. وثانيهما: استعمال هذه القواعد والنظم وتسخيرها لإنتاج رسائل مسموعة ومفهومة.(دي سوسير، 1980، 17)
وفتح دي سوسير بهذه الآراء؛ الباب أمام من أتوا بعده، ليتعمقوا أكثر في بيان ماهية اللغة، فنرى أصحاب النظرية الوظيفية عرّفوا اللغة على أنها " أداة تواصل تحلل بواسطتها التجربة البشرية تحليلا يختلف من مجموعة إلى أخرى، عن طريق وحدات ذات دلالة، وشكل صوتي (مورفيم) تُقطع بدورها إلى وحدات أصغر تسمى (فونيما) وعددها محدود في كل لغة، وتختلف من لغة إلى أخرى".(المهيري، 1989، 43)
وتوقف اللغوي الأمريكي إدوارد سابير عند مفهوم اللغة، وربطه بالدور الوظيفي الذي تؤديه اللغة مبينا أنّ " اللغة منهج إنساني محض لا غريزي، لتبليغ الأفكار والمشاعر والأغراض، بوساطة نظام من العلامات الموضوعية الاختيارية، وهي مبدئيا علامات مسموعة تحدثها ما يسمى أعضاء الكلام، فليس للكلام البشري قاعدة غريزية متميزة "(سابير، 1995، 6)، ويلاحظ أنّ هناك تنوع في التعاريف التي ظهرت في العصر الحديث للغة، إذ تنوعت بتنوع النظريات اللسانية التي تناولت مفهوم اللغة، ولكنها جميعها استندت إلى حقيقة واحدة وهي دراسة اللغة في ذاتها ولذاتها.(الخربي، 2007، 152)
فالتعاريف على الرغم من اختلاف صياغتها إلا أنها تكاد تتفق على حيثية واحدة وهي كون اللغة أداة للتواصل بين البشر، ولكل لغة قواعدها وعناصرها التي تمنحها البقاء والاختلاف والتميز عن غيرها من اللغات.
2.3. هل تحولات اللغات هي تطور أم تغير؟
اختلف اللغويون العرب حول استخدام مصطلحي (التطور) و(التغير) للتعبير عن حالات النمو والتحولات التي تطرأ في اللغات، أغلب الكتاب واللغويين العرب استخدموا مصطلح التطور في تناولهم لقضية التغير في اللغة، مثل عبدالصبور شاهين في كتابه (في التطوّر اللغويّ)، وإبراهيم السامرّائيّ في (التطوّر اللغويّ التاريخيّ)، ورمضان عبدالتواب في (التطوّر اللغويّ)، وهؤلاء يعدون التغيير جزءا من التطور اللغوي، متفقين مع ستفن أولمان الذي يقول "ويعد التغير في المعنى جانبا من جوانب التطور اللغوي"(أولمان، 1962، 155)
وهناك من التزم باستخدم مصطلح التغير عند الحديث عن التحولات اللغوية، سواء وهي ترتقي في تحولاتها ام هي تنهار وتضمحل، مثل محمود ياقوت الذي يقول "تغيّر اللغة، مصطلح عامّ في علم اللغة التاريخيّ، يشير إلى تغيّر اللغة خلال فترة من الزمن يصيبها في جوانبها المختلفة خاصّة الأصوات والمعجم " (ياقوت، 2018، 501)
وهناك من استخدم المصطلحين معا، دون أن يميز بينهما.(عبدالتوّاب، 1997، 9). فنجد أمین الخولي فی كتابه (مشكلات حياتنا اللغویة) یستخدمهما معا كما فی قوله:" التطوّر أصلٌ أصيلٌ في حياة اللغة بما هي كائن اجتماعي، وأساس التطور هو الوجود البسيط أولاً، ثم النماء المترقي ثانياً، وخلال هذا الانتقال يتكون الكائن مترقياً، ويتغير تغيرات متدرجة " (الخولي، 1987، 47).
ونحن مع استخدام المصطلحين للدلالة على المعنى ذاته، لانهما اصبحا من المصطلحات الدارجة في الدراسات الخاصة باللغة العربية، و اللتين استخدمهما اغلب اللسانيين العرب بالتوازي في بحوثهم ومؤلفاتهم.( عيد، 1980، 48).
3.3. عوامل تغير اللغة وآلياته:
عند الحديث عن تطور اللغة وتغيرها فإن ذلك يدفعنا إلى البحث في الأسباب والعوامل والموجبات التي تستدعي حدوث هذا التغير والتطور في اللغة، وقد اختلفت الرؤى حول موجبات هذا التطور وأسبابه، علي عبدالواحد وافي ربطها بأربعة عوامل، وهي انتقال اللغة من جيل إلى آخر، وكذلك تأثرها بلغات أخرى وإلى العوامل الاجتماعية والنفسية والحضارية، فضلا عن العوامل الأدبية المرتبطة بإبداعات الناطقين بها وسعيهم لتحسين لغتهم (وافي، 2004، 249)، في حين يرى ستيفن أُولمان أنّ هناك ثلاث مجموعات من الأسباب تقف وراء حدوث التغير والتطور في اللغات وهي: إمّا لغوية أو تاريخية أو اجتماعية.(أُولمان، 1962، 155)
ويربط الدارسون التطور اللغوي بمجريات الحياة بشكل عام، ويجدونها ظاهرة حتمية، لا يمكن لأحد إيقاف سيرها وعرقلة تغيرها المستمر (أبوعودة، 1985، 45)، وهذا ما دفع بعض اللغويين إلى الاعتقاد بأنّ التغيرات الحضارية الكبرى من أهم الأسباب التي تؤدي إلى حدوث عملية التطور في اللغة؛ لأنها تترك آثارها على مستوى العالم، منها مجيء الأديان، واكتشاف الزراعة، والنهضة الصناعية التي شهدتها أوروبا، واجتياح الثورة المعلوماتية والتكنولوجية التي غزت العالم خلال العقود الاخيرة، وأخيرا ظهور الذكاء الاصطناعي الذي بدأ يتدخل في أغلب مناحي الحياة، فمثل هذه التغيرات الواسعة التي تطرأ على المستوى العالمي، تجعل اللغات تميل إلى التغير والتطور، كي تلبي احتياجات الواقع المتغير باستمرار، على اعتبار أن اللغة من أبرز وسائل التواصل بين البشر. (حمدان، 2019، 581)
يحصر بعض الدارسين التطور والتغيرات اللغوية في الجوانب الايجابية التي تطال اللغة، أي أنّها في نظرهم عملية ارتقاء ونمو وسمو، كما هو الحال مع الخولي الذي يرى أنّ" أساس التطور هو الوجود البسيط أولاً، ثم النماء المترقي ثانياً" (الخولي، 1987، 45) في حين يرى آخرون (وهم التقليديون) أنّ مظاهر التطور نوع من الخطأ، وعدّوها خروجا من القواعد اللغوية. (عبيد، 2017، 535).
ويعد الإعلام من العوامل البارزة في حدوث التطورات التي طالت اللغات، فالتغيرات التي أحدثها الإعلام في اللغة العربية - مثلا - قد أدّت الى خلق لغة ثالثة سميت بـ(لغة الإعلام)، وأثار هذا التحول المخاوف لدى المعنيين والمهتمين باللغة العربية، وخاصة في ظل التوسع الكبير الذي شهده انتشار استخدام اللغة الإعلامية؛ لأن اللغة الجديدة - كما يراها بعض الدارسين - أثرت سلباً على اللغة العربية الفصحى، وأبعدتها عن دائرة الاهتمام والاستخدام نوعا ما.(طالب، 2022، 373) كما أنّ اللغة الإعلامية ذاتها لم تتوقف عند حد، بل أنها شهدت تطورا مستمرا وتغيرات عديدة، بحسب التطورات والتحولات التي شهدتها وسائل الإعلام من المكتوبة إلى المسموعة والبصرية ومن ثَمَّ إلى لغة التواصل الاجتماعي.(برقان، 2015، 106).
وتشير الدراسات الحديثة إلى أن تأثير الإعلام يكون فعالا في الفترات التي تظهر فيها الأوبئة والحروب، ويؤدي هذا الأمر الى إدخال مصطلحات جديدة إلى قاموس اللغة الدارجة والمستخدمة، فمثلا قدوم جائحة كورونا في العام 2020 وتأثيراتها العالمية قد أدَّى إلى أنْ يكثر انتشار المصطلحات الطبية والصحية والدوائية، ويعود الفضل في ذلك إلى وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الإلكتروني الذي روج لهذه المصطلحات.(دوغان واخرون، 2023, 14233).
ونحن نبحث عن عوامل حدوث التطور والآليات التي تعتمد عليها، ينبغي أنْ ندرك أنّ لها علاقة متينة بالمعنى، لأنّ نسبة كبيرة من التغير يحدث لاستحداث طرق سريعة لإيصال المعنى إلى الشخص المقابل، فاللغة في النهاية هي وسيلة لحمل المعاني ونقلها قبل أن تكون أسلوبا جماليا، ومن هذا المنطلق فإنَّ أيَّ تغيرات تطرأ في بنية الكلمة قد يصاحبها تغير في الدلالة، وتؤكد الدراسات اللغوية الحديثة أنَّ نسبة فهم النصوص المكتوبة تتطلب إلماما ومعرفة بمعاني المفردات التي وردت فيها بنسبة 95% (مارسدن وآخرون، 2023، 671)، هذا الى جانب أنّ أيّ تغيرات تحدث في تسلسل المفردات داخل الجمل والتراكيب اللغوية يصاحبها تغيرات في المعاني سلبا أو إيجابا، والأمر ذاته مع الحروف والأصوات التي تتكون منها المفردات، فأيّ تغير في جرس الأصوات وشدتها ورخاوتها سواء من السين الى الصاد أو من الطاء إلى التاء أو من الذال إلى الدال، فإنّ ذلك يعكس مظهرا جديدا من مظاهر تحوّل اللغة وتطورها، فضلا عن الدور الكبير الذي يلعبه السياق المعجمي الذي ترد فيه المفردات في إحداث تغير في دلالة الألفاظ والتراكيب.(أبوعودة، 1985، 45)
وعلى هذا الأساس حدد اللغويين أربع مستويات لدراسة كيفية تطور اللغة، إذ يستعينون بالتغيرات اللغوية التي تحدث في هذه المستويات، ويتخذونها قوالب مستحدثة في إبراز ملامح التطور، التي تطرأ في هذه المستويات جميعا وهي:
أ- المستوى الصوتي: وهذا المستوى يختص بدراسة التطور الذي يحدث في الأصوات والحروف والمقاطع الصوتية للكلمات، فكل تغير يحدث عند هذا المستوى يكون له تأثيراته في اللغة. وهو تطور بطيء وتدريجي، غالبا ما يحدث من تلقاء نفسه، وهو مقيد بالزمان والمكان، مثل تحول صوت القاف الى همزة في كلمة "قلت، ألت" و "ذقن، دأن" في بعض المناطق الناطقة بالعربية، ويرى البعض أنّ التطور الذي يحدث في هذا المستوى يهدف إلى الاقتصاد والتسهيل في النطق (وافي، 2004، 287).
ب- المستوى الصرفي: يتناول هذا المستوى دراسة التغير الذي يحدث في الكلمات، وغالبا ما يقع التغير عندما تفقد إحدى المفردات معناها الاشتقاقي، وتكتسب معنى آخر بفعل الاستعمال، أو أنّها تغير مسار دلالتها، وتنتقل من حقل دلالي إلى حقل آخر، وبذلك يتغيَّر معناها اللغوي الدارج، كما الحال مع مفردة "العلم، أعلم، علم، نعلم، عالم، علماء، علميّة،.. " فالمفردات التي اشتقت من أصلها (عِلْم) قد منحها الاشتقاق معانيَ ودلالات متنوعة ومختلفة، بعضها قريبة وأخرى بعيدة، بعضها صيغ قديمة وأخرى مستحدثة.(ابوعودة، 1985، 62)
ت- المستوى التركيبي: يهتم هذا المستوى بدراسة التراكيب والجمل التي تتألف منها النصوص، وعلاقتها مع بعضها. وأشكال هذه الجمل ونوعيتها، فاللغة قد تقوم بالاعتماد على نمط محدد من الجمل؛ لتلبي احتياج المتلقي أو كأحد متطلبات تنقل الرسالة، بالاختصار والايجاز في الجمل هو نوع من التغير، تلجأ إليه اللغة لكي تتكيف مع البيئة والواقع المعاصر الذي يتسم بالسرعة.
ث- المستوى الدلالي(المعجمي): يعتني بدراسة السياقات الخارجية والداخلية التي تحيط بالنص. وحدد المختصون بالدراسات اللغوية أشكالا ومظاهر عديدة لتطور اللغة من الناحیة الدلالیة، وذلك من خلال متابعة التغيرات التي تحدث في مدلول المفردات، ومن أهم هذه المظاهر: انتقال الدلالة، توسيع الدلالة، تضيق المعنى، الإرتقاء في المعنى (فندريس، 1950، 256)، إنحطاط المعنى، وتغيير مجال الاستخدام. (أنيس، 1962، 150).
4.3. علاقة الإعلام باللغة:
المتأمل لمسيرة الحركة الإعلامية وتاريخها يدرك أنّ هناك علاقة وثيقة بين اللغة والإعلام، إذ شكلت اللغة إحدى الدعامات الأساسية التي استند عليها الإعلام في إيصال رسائله ومقاصده إلى الجماهير المستهدفة، وبالمقابل فإنّ اللغة استفادت كثيرا هي الأخرى من وسائل الإعلام والأنواع الصحفية المستجدة فيها، للحفاظ على ذاتيتها كلغة حية متداولة بين الناس، فهل الإعلام يخدم اللغة أم اللغة هي التي تخدم الإعلام؟ أو بالأحرى ما هي طبيعة العلاقة بينهما؟ هل هي علاقة تأثيرية من طرف واحد أم هي تبادلية بين الطرفين؟
هذا السؤال يحمل في طياته أبعادا فلسفية، لا سيما إذا علمنا أن وظيفة الإعلام الأساسية هي خلق بيئة للتواصل وإيصال المعلومات، واللغة أهم وأقدم وسيلة استخدمها الإنسان لتحقيق هذا الغرض، ونقل خبراته إلى الأجيال التالية،(عطيطو، 2024، 3 ) ولذلك فإنَّ الاجابة عن السؤال الآنف الذكر تختلف من لغة الى أخرى، فبعض اللغات استفادت من الإعلام وتوسعت في الانتشار، من غير أنْ تفقد شيئا من خصوصيتها وشكلها، بل قد يكون الإعلام سببا في تقويتها وزيادة الاهتمام بها، مثلما هو الحال مع اللغة الانكليزية، بعكس اللغة العربية الفصحى التي يرى المختصون بأنها قد تضررت، بسبب لجوء الوسائل الإعلامية إلى استخدام اللهجات العربية بدلا من الفصحى في بث برامجها لا سيما في الصحافة المرئية والمسموعة والإلكترونية.
ويؤكد الدارسون أنّ اللغة مازالت القناة المهمة التي يلجأ إليها الإعلام في إيصال المعلومات التي تحمل المقاصد من ورائها، والأهداف التي يسعى الإعلاميون تحقيقها(محمد، 1984، 48 )، ومن جهة أخرى فإن اللغة طوال تاريخها مع البشر وجدت لها مطايا تركبها؛ لتحافظ على ذاتها، إذ استفادت من الإعلام لتحمي كيانها وتنعش الحياة في نفسها، فهي كما استخدمت الديانات من قبل كأوعية لها، ووصلت إلى مرحلة التقديس، فإنها في وسائل الإعلام أيضا وصلت إلى مراحل كبيرة من العناية بها، ورُسِمت لها القواعد التي تحافظ عليها، وتقويّها وتجدد لها حياتها، والذي منح اللغة هذه القوة، هو قدرتها على نقل الرسائل بسهولة وعناية ودقة؛ لذلك فإن الأفكار والمذاهب الفلسفية والأديان والدعايات الإعلامية والمؤسسات التعليمية اعتمدت بالدرجة الأولى على اللغة، كوسيلة للتواصل والاتصال، واعتنت بها وحافظت عليها، فالقضية ذات بعدين، فكما أنّ الإعلام يستفيد من اللغة فإن اللغة أيضا استفادت من الإعلام. (الدليمي، 2004، 90 )
وكان نتيجة هذه العلاقة القوية بين اللغة والإعلام أنْ ظهر ما اصطلح عليه بـ(لغة الإعلام)، الذي تعددت التعاريف بشأنه، فجابر قمحية يعرّف لغة الإعلام على أنّه" التعبير اللغوي عن كل ما يقدم في الصحف والإذاعة والتلفاز، مع مراعاة المستوى الثقافي والفكري للمتلقي" (قميحة، 1418، 139) نفهم من هذا التعريف أنّ المقصود باللغة الإعلاميّة، تلك اللغة التي تستخدم في وسائل الإعلام، وهي لغة تختلف عن اللغة العامية وعن اللغة الفصحى، إذ تقع في منتصفهما، وهي تتغير بتغير الوسائل الإعلاميّة، وكذلك تختلف من نوع إعلامي إلى نوع آخر، فلغة الوسائل السمعية تختلف عن اللغة المستخدمة في الوسائل البصرية، وهذه بدورها تختلف عن المستخدمة في الصحافة المكتوبة، وهناك لغة خاصة بالصحافة الرقمية ومواقع التواصل الاجتماعي.( لعياضي، 1999، 6 )
عليه فإن اللغة التي نتحدث عنها هي لغة ذات مستويات عديدة، كل مستوى يميل إلى استخدام أنواع خاصة من الجمل والتراكيب والمصطلحات، فنجدها في بعض الوسائل تقترب من العامية، وفي أخرى تحاذي وتواكب الفصحى، لكنها مع كل هذا تتطور وتتغير باستمرار؛ لأنها في تماس مباشر مع أحدث التقنيات والتطورات والأحداث التي تحصل في العالم، فلغة الإعلام هي اللغة الأكثر عرضة للتطور والأسرع، لدورها المؤثر في المهام التي اُنيطت بها، فهي تبحث عن المعلومة والتأثير في المتلقي، وتحاول إيصالها بإيجاز وبأسرع وقت ممكن، وبأية وسيلة كانت، لذلك فإنها قد تخترق بعض القواعد اللغوية في سبيل تحقيق مهمتها، وهي إقناع الجمهور وتحقيق الفاعلية والتأثير.(المعايطة، 2022، 2105)
وأظهرت الدراسات الحديثة أن هناك تأثيرا كبيرا للغة الإعلامية في إنشاء خطابات موجهة ومفعمة بالمقاصد، من ذلك الدراسة التي أثبتت أن نصيب الأسد من المنشورات التي تتناول الخطاب (الخطابات) المشددة والمثيرة للانقسام على الإنترنت في السياق اليوناني تشغله دراسات خطاب الكراهية كتعبير عن المواقف المعادية للأجانب والمعادية للمهاجرين / اللاجئين. (هاتزيداكي و ساريداكسي، 2020، 148).
ومن هنا فان اللغة باعتبارها أداة إعلامية مهمة ووسيلة تواصل رئيسة معرضة لعمليات التغيير والتطور وفقا للدوافع والتقنيات والأدوات التي تظهر، حيث تشكل المنظمات الإخبارية بيئة خاصة متعددة المجالات لتحقيق هذا الامر، لأنها تقع عند تقاطع ثلاث مجالات مؤسسية: الديمقراطية والرأسمالية والتكنولوجيا الرقمية. كل من هذه المؤسسات تأتي مع ضروراتها الخاصة. هذه "المنطقيات" هي أدلة معيارية مبنية اجتماعيًا لتفسير هوية وسلوك الجهات الفاعلة وتختلف اعتمادًا على المجال المؤسسي المهيمن الذي يقع فيه الفاعل وتنعكس في ممارساته ومفرداته. (ميتوفا، 2023، 14228).
ولخص عبدالعزيز شرف مفهوم لغة الإعلام بكونه القناة التي تحمل أفكار الخطاب الإعلامي وتحقق مقاصده التأثيرية في الجمهور، فهي تمثل واجهة اللغة المشتركة المعاصرة، فتكون مستواها مبسطة عن مستواها العلمي. (شرف، 1990، 62)، وتمتاز لغة الإعلام بعدة صفات أبرزها: اللجوء إلى التكرار والإعادة والتأكيد، والميل للإيجاز، وتغير الأداء اللغوي، وتعمل على التأثير، وتميل إلى التلميح في بعض الأحيان، والسرعة في نقل الخبر، وتستعمل تراكيب مبسطة، ولا تكثر من استخدام الظروف والاضافات، وتميل إلى استخدام الجمل الفعلية المباشرة التي تحتوي على الأزمنة، وحسن اختيار الاوصاف (خاقاني، 2015، 36).
4. المبحث الثاني: التحليل
للوقوف على مدى التغير الذي يطرأ على اللغة من خلال الوسائل الإعلامية وآليات حدوث هذا التغير، والمستويات التي يحدث فيها، سنقوم بتحليل ثلاثة أخبار وهي: خبر نشر في صحيفة المدى العراقية التي بدأت بالصدور في العام 2003، وخبران نشرا في جريدة (التآخي)، التي بدأت بالصدور في بغداد عام 1967، واستمر إصدارها الورقي لغاية عام 2017 (مع وجود فترات انقطاع)، والآن يتم إصدارها إلكترونيا بصيغة (PDF)، عبر الموقع الإلكتروني: (https://altaakhi.net/2024/04/90510/)، العينة الأولى: خبر نشر في عام 1970، بينما الثانية: خبر نشر في عام 2024، والثالثة: خبر نشر في جريدة المدى عام 2003، ولضيق المجال اخترنا التحليل على مستويين فقط وهما: المستوى الدلالي(المعجمي) والمستوى التركيبي، ثم سنقوم بإجراء مقارنة بين نتائج تحليل النصوص، لبيان أبرز التغيرات التي طالتها على المستويين المذكورين خلال الفترات التي فصلت بين تلك الأخبار.
1.4. الخبر الأول: "مجلس قيادة الثورة يوافق على لائحة قانون المجمع العلمي الكردي
قرر مجلس قيادة الثورة الموافقة على لائحة قانون المجمع العلمي الكردي وقد نصت اللائحة في مادتها الأولى على إنشاء المجمع العلمي الكردي الذي سيكون الفرع الكردي للمجمع العلمي العراقي ويكون هيئة مستقلة ذات شخصية حكمية واستقلال مالي وإداري ويستهدف النهوض بالدراسات والبحوث العلمية والمحافظة على سلامة اللغة الكردية والعمل على تنميتها ووفائها بمطالب العلوم والآداب والفنون وإحياء التراث الكردي في العلوم والآداب والفنون والعناية بدراسة تاريخ العراق وحضارته بصورة عامة والمنطقة الكردية بصورة خاصة كما نصت اللائحة على تأليف المجمع من أعضاء متفرغين وأعضاء غير متفرقين وأعضاء شرف وأعضاء مؤازرين كما ونصت المادة التاسعة على أن للمجمع أن يختار عددا من كبار العلماء المفكرين الأكراد لإضافتهم إلى الأعضاء المذكورين أعلاه. وستعتبر لائحة القانون نافذة المفعول اعتبارا من تاريخ نشرها في الجريدة الرسمية."
(جريدة التآخي، 1970، عدد 522)
تحليل الخبر :
أولا: المستوى المعجمي (الدلالي): يلاحظ في صياغة هذا النص اعتماد المحرر بنسبة كبيرة على المفردات التي ذكرت في متن البيان، وهي مفردات كانت سائدة في تلك الفترة، ومألوفة لدى أطياف المجتمع، من أهمها مفردة (الكرد) و (الكردي) بضم الكاف، التي تغيرت في أعدادها التي صدرت بعد عام 2003، حيث تم اعتماد كلمة (كورد) بالواو بدلا من(كرد)، وحلَت هذه الكلمة مكان سابقتها في إصدارات مدن إقليم كوردستان وأدبياتها بعد انتفاضة عام 1991، وهذا الأمر وإن لم يغيّر من مدلولها العام؛ إلا أنّه قد فرق بين مستخدمي المفردتين، ففي الأدبيات الكوردية تستخدم (كورد)، بينما الأدبيات العربية مازالت تستخدم مفردة (كُرد)، فالأضافة التي تمت بتوظيف هذه الزيادة (الواو) في مبنى المفردة، أنّها فرّقت بين مستخدمي المفردة، فأينما ترى لفظة (كورد) فأنت تعلم أنّ كاتبها شخص كوردي، بعكس لفظة (كُرد) التي تعني أنّ كاتبها ليس كورديا.
كما نلاحظ أن المحرر قام بتقليص مضمون البيان واختصار محتواه في خبره، من دون أن يعتمد على مصادر أخرى غير البيان، واستخدم في ذلك مفردات بارزة مثل: (قرر، نصت، إنشاء، سيكون، يستهدف) وتم تكرار بعض هذه المفردات مثل: (نصت) و(سيكون) أكثر من مرة، لكي يعزو ما يقوله إلى القرار الصادر من مجلس قيادة الثورة، ونرى المحرر يقتبس عبارات وجملاً كاملة من نص القرار، ليقوِّي بها خبره.
فالمحرر لم يأتِ بمفردات جديدة خارج سياق البيان؛ لأنه ركز على نقل مضمون البيان إلى المتلقي، أي أن مقصده لم يكن مركزا على التأثير في المتلقي، بقدر ما كان مركزا على نقل فحوى البيان كاملاً بدون تشويه إلى المتلقي، فاعتمد على المفردات ذاتها التي ذكرت في نص البيان، وهي مفردات قريبة من الحقل القانوني؛ لأن الذي صاغ القانون شخص قانوني، فمفرداته محدودة ودقيقة، فهي بمثابة أحكام وتعليمات ينبغي العمل بموجبها، لذلك فان المحرر لم يجد بُدَاً من الخروج منها، أو بالأحرى لم يمنح نفسه فرصة مناقشة البيان وتحليله، وبيان أثره وأهميته بالنسبة للواقع الثقافي العراقي والكوردي بشكل خاص.
ثانيا: المستوى التركيبي: الملاحظ في هذا النص الخبري أنّ المحرر اعتمد على الجمل الطويلة في صياغة نصه، فالخبر يتكون من فقرتين فقط، وهما فقرتان غير متناسقتين من حيث الطول، الأولى تتكون من (112) كلمة، بينما الثانية تتكون من (12) كلمة فقط، مما يعني أن المحرر لم يهتم بالجانب الشكلي للخبر وهيكله الخارجي، بل ركز على نقل مضمون البيان من خلال خبره.
كما يلاحظ أن المحرر لم يستخدم علامات التنقيط، واكتفى بوضع نقطة في نهاية كل عبارة، وهذا ما يجعل القارئ - المتلقي- يشعر بالضيق وهو يقرأ الخبر، لا سيًما الفقرة الأولى الطويلة، التي تخلو من أي علامة تنقيط في داخلها، على الرغم من احتوائها العديد من الجمل وإن كانت طويلة، ويلاحظ ان عدم الاهتمام بالتنقيط كان سائدا في جميع الاخبار التي كانت تكتب في تلك الفترة، وإلى الآن الكثير من الصحف والمطبوعات لا تلتزم بعلامات التنقيط على الرغم من أهميتها الكبيرة في توضيح الصورة وأمن اللبس.
واعتمد المحرر أثناء صياغته على الكثير من الأدوات النحوية للربط بين مفاصل خبره، فنراه يستخدم ضمائر ظاهرة، وأخرى مستترة، وحروف العطف، وإحالات سببية وخبرية إلى جمل سابقة، فلجأ الى اللغة الفصحى في إنشاء خبره، لأنها الأنسب لتحقيق غايته، مستعينا في ذلك بقواعد النحو التي وفرت له الربط ما بين الجمل والعبارات، فالمحرر استفاد من الفصحى في بناء نسيج خبره الداخلي واستعان بالمفردات الدارجة آنذاك لترصيع خبره خارجيا.
الملفت للنظر في هذا النص تركيبيا أنّه يشابه النصوص الأدبية أكثر من النصوص الخبرية، وكأن المحرر يسرد نصاً قانونيا بأسلوب أدبيّ لا خبراً صحفيّاً، فهو يسرد وصفاً مفصلاً لعمل هذا المجمع الكوردي ومهامه والذين سيعملون في عضويته، وكان بإمكانه الاكتفاء بلمحة مختصرة عنهم، من دون الاستغراق في التفاصيل التي ذكرها في متن الخبر.
2.4. الخبر الثاني: جميل أبو بكر: التشكيلة الحكومية التاسعة أولت اهتماماً كبيراً بقطاع التأمين
" أكد مدير عام التأمين في وزارة المالية بحكومة إقليم كوردستان، أن التشكيلة الحكومية التاسعة، أولت اهتماماً كبيراً للقطاع.
وقال أبو بكر، إن التشكيلة الحكومية التاسعة، تولي اهتماماً كبيراً بقطاع التأمين، وبعد 2020، طرأت تغيرات كبيرة على عملنا.
وأضاف: نشرف بأنفسنا على سير العمل في الشركات العاملة بقطاع التأمين، سواءً الموجود هنا، أو تلك التي لديها أفرع في الإقليم.
وتابع: لدينا 8 شركات محلية، مقراتها موجودة داخل أربيل، ولدينا شركتان، تتواجد مقراتهما في السليمانية، وشركتان تابعتان لوزارة المالية في العراق، ولديها فرعان في السليمانية وأربيل، ما يعني أنه لدينا إجمالاً 16 شركة تأمين في إقليم كوردستان.
وأردف: الناس ليسوا على دراية كافية بالتأمين؛ لأنّه إذا نظرنا إلى الدول المجاورة، فجميعهم لديهم شركات تأمين، وهناك عدة أنواع، يمكن أن تكون عامة أو خاصة أو مشتركة، ولكن إذا كان الوضع الأمني والسياسي مستقراً فسيكون هناك المزيد الشركات وبموجب المبادئ التوجيهية العراقية الجديدة، يجب أن يكون رأس مال كل شركة تأمين 15 مليار دينار." (موقع صحيفة التآخي، 5/5/2014).
تحليل الخبر:
أولا: المستوى المعجمي(الدلالي): لكون التغير والتطور يطرأ بشكل ملحوظ على معاني المصطلحات والمفردات، فإنّنا نرى أنّ التغير الذي يحصل في هذا المستوى اللغوي، يكمن في استخدام مجموعة من الكلمات التي تنتمي إلى حقول دلالية معاصرة، مثل (التشكيلة الحكومية) و(قطاع التأمين) (شركات القطاع الخاص) (الدول المجاورة) (حكومة اقليم كوردستان)، فهذه التراكيب تتكون من مفردات قديمة لكنها اكتسبت دلالات جديدة معاصرة، ظهرت في العقود الأخيرة، وتم تداولها بين الأوساط السياسية والحكومية والاقتصادية، فهي تنتمي الى حقلي السياسة والاقتصاد، وعلى أثرها قامت وسائل الإعلام بتبنيها، وجعلتها مفردات أليفة لدى المتلقي، الذي لا يجد غرابة في توظيفها؛ لكثرة تداولها من قبل المؤسسات الحكومية والإعلامية.
فلجوء المحرر إلى استخدام مصطلحات ومفردات بمدلولات معاصرة ضمن خبره، مثل (إقليم كوردستان) و (شركات التأمين) (قطاع التأمين) (المبادئ التوجيهية العراقية)، هي مساهمة منه في توسيع دائرة نشر هذه المصطلحات اللغوية داخل المجال اللغوي في المجتمع، وهو بذلك يسهَل التعامل معها بشكل أفضل، ويجعلها مألوفة لدى الناس، يستخدمونها في حواراتهم اليومية، هنا أسهمت اللغة الإعلامية في توجيه الناس لفهم وتبني مصطلحات ومفاهيم ومفردات لغوية معينة، بدلالات جديدة تتلاءم مع الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والفكري السائد، وهذا بحد ذاته نوع من التغير.
كما يلاحظ ايضا ان المحرر صاغ نصه مستعينا بمفردات سهلة وواضحة ومحددة المعنى، غير قابلة للتاويل، ولا تحتمل الكثير من التفسيرات والمعاني مثل (التوجيه، الحكومية، الشركات...الخ)، فضلا عن أنّ النص قام بتوظيف مفردة (كوردستان) بدلا من كلمة (كردستان) التي تخلو من حرف الواو، لأنّ ظهور إقليم كوردستان والحكومة الكوردية في مطلع التسعينيات من القرن الماضي، أدى إلى تبني مفردة (الكورد)، على الأقل في الأدبيات المنتشرة في مدن إقليم كوردستان، فنرى النص الأول كان يستخدم مفردة (كرد)، بينما النص الثاني استخدم (كورد)، علماً أنّ الجريدة تصدرها الجهة الكوردية ذاتها - الحزب الديمقراطي الكوردستاني – وهذا ما يثبت أنّ دور لغة صياغة الأخبار لا يساهم فقط في إحداث التغيير اللغوي؛ بل يتعداه إلى الترويج لذلك التغيير، بفعل الإنتشار الواسع الذي يتلاقه هذا التغيير عن طريق وسائل الاعلام المتعددة.
نرى في هذا النص أنّ اللغة الإعلامية قد تميل إلى استخدام مصطلحات ومفردات جديدة أو تقوم باستدراج مفردات مهملة إلى دائرة الاستخدام، إلى جانب تهّمش مصطلحات أخرى والتقلّل من استخدامها، وبهذه العملية فإنّها تسهم بشكل مباشر في عملية تغير اللغة؛ لأنّ اللغة عبارة عن استخدام مفردات وتراكيب وجمل ونصوص وإهمال مفردات أخرى، إذ اللغات تنتعش بالاستخدام، كما هو الحال مع اللغة العبرانية (السامرائي، 1981، 28) وهذه إحدى طرق تنمية اللغة وتغيرها.
ثانيا: المستوى التركيبي: يعد هذا المستوى من المستويات البارزة التي يعمل عليها الإعلام، في إنتاج لغة خاصة به، وهو يشهد تغيرات مستمرة وسريعة، تتلاءم وطبيعة الحياة والظروف السائدة في المجتمعات، ففي هذا الخبر الذي تم صياغته في شهر أيار من عام 2024، يلاحظ ان المحرر لجأ الى استخدام جمل وتراكيب، امتازت بالقصر والإيجاز والوضوح في المعنى، مبتعدا عن التراكيب المعقدة التي تحتمل العديد من التأويلات، ويبدو أنه تبنى مبدأ المباشرية والتقريرية في نقل الحدث، وابتعد عن استخدام السردية الأدبية والمحسنات البلاغية والتكثيف الوصفي، وركّز على الجمل الصريحة في معناها، معتمدا على علامات التنقيط في خبره، فهو يستخدم الفارزة والنقطة والنقطتين للفصل بين جمله وعباراته، مما يدل أن المحرر يهتم كثيرا في أن يصل النص كما يُراد الى المتلقي، من دون زيادة في المعنى أو نقصان أو تحوير، فتوظيف علامات التنقيط منح النص فهما أدق.
إلى جاب ذلك، رأينا الكاتب قد لجأ إلى استخدام أدوات مختلفة للربط بين الجمل التي وظفها في نصه، فنراه يوظف حرف العطف (الواو) بكثرة، اذ استخدمه (12) مرة إلى جانب حرفي (الفاء) و (أو).
والملاحظ أيضا أنّ فقرات النص بدأت بتعابير ومفردات، أسهمت في ربط الفقرات ببعضها مثل:(وقال، وأضاف، وتابع، وأردف)، والمحرر بهذا الأمر حافظ على وحدة الموضوع في نصه، فهو يتحدث عن واقعة محددة، حدثت في فترة معينة، لا ينبغي تجاوزها أو الخروج عنها؛ كي لا يتوه المتلقي عن مضمون الخبر ومغزاه، فأسلوب الربط بين الفقرات مهّد لبناء نسيج محكم للنص وجعله كتلة واحدة، كما استخدم أساليب ربط مختلفة بين الجمل، مثل الربط عن طريق الضمائر والجمل الموصولة وأسماء الإشارة والجمل السببية، مستعينا بأدوات مثل: (اللام) و(لأنّ) و(كي)؛ لذلك جاء الربط محكما ومتناسقاً.
3.4. الخبر الثالث: العدالة الإنتقالية تناقش انتهاكات حقوق الإنسان
أعلنت جمعية الحقوقيين العراقيين في لندن أنّ الجمعية ستعقد إجتماعها التداولي الثاني لمناقشة الشؤون القانونية بعد سقوط النظام ولدراسة الوضع القانوني في العراق للمرحلة المقبلة، يوم الخميس المقبل 2003/8/7 في قاعة تموز بفندق الشيراتون.
وكانت الجمعية قد أصدرت في اجتماعها الأول بيان العدالة الإنتقالية لوضع دستور للعدالة في المرحلة الإنتقالية للحكم يمكن أن يفصل في القضايا الآنية والمستعجلة خلال فترة وجيزة.
من جانب آخر بدأت اليوم منظمة(Human Right Watch) أعمال مؤتمر العدالة الإتقالية في قصر المؤتمرات الذي ناقش انتهاكات حقوق الإنسان في العراق والعدالة الإنتقالية واعمال سلطة الإئتلاف المؤقت في العدالة الإنتقالية، وتجربة حقوق الإنسان في كردستان العراق وأداء وزارة العدل ضمن مشروع العدالة الإنتقالية وتحقيقات عن وحشية النظام السابق.
وكان قد حضر المؤتمر السید محمد احسان وزير حقوق الإنسان في كردستان و القاضي مدحت المحمود المشرف على وزارة العدل والقاضي دول كاميل المستشار الأقدم في وزارة العدل الأميركية وتمخض المؤتمر عن انبثاق أربع لجان لأرساء العدالة الإنتقالية في العراق هي (لجنة المحاسبة، لجنة الصلح والوفاق، لجنة التعويضات ولجنة ستراتيجية التحقيقات).
(صحيفة المدى : 5/ 8/ 2003، الصفحة:1)
التحليل:
أولا: المستوى التركيبي: يلاحظ في هذا النص لجوء المحرر إلى استخدام الجمل الطويلة نوعا ما، مع إهمال لعلامات التنقيط في الكثير من المواضع، وهو في هذه النقطة يكاد يشبه الخبر الأول، إلا أنّ الفقرات التي اعتمد عليها ليست فقرات طويلة، بل هي ثلاث فقرات؛ تتكون من مجموعة جُمل، تضُّم عبارات مركبة؛ مثل (العدالة الإنتقالية) و(الشؤون القانونية) و(حقوق الإنسان) و(قصر المؤتمرات) و(وحشية النظام السابق) و(ستراتيجية التحقيقات) و(سلطة الإئتلاف)، هذا التوجه من قبل المحرر في صياغة خبره، جاء لكي يعبر عن طبيعة المرحلة التي كان يمر بها العراق آنذاك؛ حيث تغيّرت السلطة، فتغيرت الكثير من المفاهيم والأفكار والتوجهات السياسية في العراق، وحلّت محلها توجهات فكريّة وسياسية وانسانية جديدة، مثل حقوق الإنسان والعدالة الإنتقالية والديمقراطية، وهذا التغير في الظروف السياسية دفع بالمحررين إلى اقتناء مصطلحات وتراكيب ومفردات ذات مدلولات جديدة على الساحة العراقية، مثل عبارة (وحشية النظام السابق)، فهذا من التراكيب المستحدثة التي إستخدمها المحرر لوصف مرحلة الحكم السابق، أمّا عبارة (سلطة الإئتلاف) فهو أيضا من التراكيب الجديدة، تم توظيفه لوصف المرحلة السياسية الجديدة في العراق، فمفردتي (سلطة) و(إئتلاف) كمفردتين لهما مدلولات ثابتة في معاجم اللغة العربية؛ ولكن المزج بينها في تركيب واحد جعل له مدلولا آخر، يختلف تماما عن مدلول الكلمتين اللتين تشكل منهما، كذلك الحال بالنسبة لبقية التراكيب التي ظُمنت في هذا النص، وهذا الإجراء اللغوي الذي قام به المحرر؛ هو في الحقيقة طريقة أو آليّة من آليات التطور التي تتبعها اللغات في مسيرة حياتها، واللغة العربية لجأت إلى استخدام هذه التقنية للتطور في المراحل الماضية، فمثلا عند مجيئ الديانة الإسلامية، تم المزج بين مفردتي (صلاة) و (الفجر) لتكوين (صلاة الفجر)؛ فالصلاة لوحدها لها تدل على الصلاة على المطلق، ودلالة الفجر مقيدة بوقت الفجر، ولكن بدمجهما فإنّ التركيب الجديد (صلاة الفجر) أعطى دلالة مختلفة كليا عن الدلالة التي توحي بها اللفظتان وهي منفردة.
وتوقف أحد الباحثين عند قضية الدمج بين المفردات، ودعا إلى ضرورة دمج الكلمات التي تجتمع مع بعضها لتعطي مدلولا خاصا في كلمة واحدة، مثل كلمتي (حمض وراثي) فإنّه يرى ضرورة أن يتم كتابتها بشكل كلمة واحدة (حمضوراثي)، شريطة أن توضع خطا عموديا فوق نقطة تلاقي المفردتين (خالد، 2019، 3)، وتختلف هذه الحالة عمّا تسمى بالنحت التي تدمج فيها الكلمات مع بعضها بالحذف، إذ لا يجوز هنا حذف أيّ حرف من المفردتين، في حين أنّ النحت يقوم بحذف الكثير من الحروف مع الإبقاء على المعنى العام للعبارة؛ كدلالة (حوقل) على (لا حول ولا قوة إلا بالله)، وإن كانت هذه العملية أيضا تدخل ضمن الديناميكيات المستخدمة لتطور اللغة.
ثانيا: المستوى المعجمي(الدلالي): المتأمل في هذا النص يرى لجوء المحرر إلى استدراج مفردات من حقول دلالية محددة؛ وتوظيفها في المجال الصحفي، بغية صياغة خبره الصحفي، مثل: (وحشي)و(تمخض) و(انبثق)، فهذه المفردات هي في الأصل تنتمي إلى حقول دلالية مختلفة، فمفردة (وحشي) تنتمي إلى حقل الحيوان وصفاته، بينما (تمخض) المشتقة من المخاض مأخوذة من حقل الولادة، كذلك مفردة (انبثق) تنتمي إلى حقل الظواهر الطبيعية، لكن المحرر قد استخدم هذه المفردات في الحقل الإعلامي، معبرا بها عن مدلولات بعيدة عن مدلولاتها الحقيقية؛ فمثلا (المخاض) في حقلها تدل على ألَم المرأة ووجعها المصاحب لعملية الولادة؛ لكن المحرر وظفها هنا بمعنى التكوين والإنشاء، وذلك لكي يظهر للمتلقي صعوبة إرساء العدالة الانتقالية وإنشائها في العراق، وما يصاحبه من توتر، فجلب تلك المفردات من حقول دلالية مغايرة، ووظيفها في اللغة التي صياعة بها خبره، فهي وسيلة تلجأ إليها اللغة لضمان تطورها وديمومتها ومواكبتها للحياة، وكثيرا ما استعانت اللغة العربية بهذه التقنية، فمثلا تم استخدام كلمة (جذور) التي تنتمي في الأصل إلى الحقل الزراعي، ويقصد بها جذور النباتات، لكن تم توظيف هذه المفردة في كتب التاريخ والإجتماع لتعطي مدلول الأصول، فعملية استدعاء مفردات من حقول دلالية وتوظيفها في حقول دلالية أخرى بمدلولات جديدة، هي آلية قديمة، تلجأ إليها اللغات كنوع من التطور الذي يطال المفردات من الناحية الدلالية.
وقد يلجأ المحرر إلى اقتراظ مفردات من لغات أخرى كما هي، دون أيّ أن يُغيّر في شكلها أو صوتها، ويقحمها في صياغة خبره؛ وذلك إمّا لعدم وجود مرادف لها داخل اللغة؛ أو لأنّه يريد أن يدخل إلى اللغة مفردات أجنبية (دخيلة) ويجعلها مألوفة؛ كما هو الحال مع مصطلح (ستراتيجية)، الذي استخدمه المحرر في صياغة هذا النص، ليعطي معنى (التخطيط على المدى البعيد)، ويعّد هذا الإجراء – الإقتراض- إحدى الطرق التي تجعل اللغة تتطور، وتساير التغييرات التي تحدث في جميع مجالات الحياة.
4.4. المقارنة بين النصوص الثلاث:
اتسم النص الأول بلغة قريبة من الأدبية، حيث اعتمد على أسلوب الجمل الطويلة والمركبة، والفقرات غير المتناسقة، ولم يهتم المحرر في لغته الخبرية بالمتلقي بقدر اهتمامه بنقل مضمون الخبر والمعلومة، بعكس الخبرين الثاني والثالث الذين اهتما بالصياغة اللغوية ووظفا الجمل القصيرة والموجزة، والفقرات الصغيرة والمتعددة، في صياغتهما، بالإعتماد على علامات التنقيط مثل الفارزة والنقطة، بعكس الخبر القديم الذي يكاد يكون خالياً من علامات التنقيط. مما يدل على أنّ الإعلام بوصفه مصدرا من مصادر نشر اللغة وتلقيها؛ قد جعل المستخدمين يميلون إلى استخدام التراكيب الموجزة والموحية. وهذا ما جعل اللغة بشكل عام تميل إلى السهولة والعفوية، وتبتعد عن التعقيد لاسيما في نقل الأحداث وإيصال المعلومات إلى المتلقي.
خلال التحليل تبين أنّ الإعلام يسهم في نشر وإشاعة مفردات بعينها مكان مفردات أخرى، كما هو الحال بالنسبة لمفردة (الكرد) التي حلت محلها مفردة (الكورد) بالواو، على الأقل في الأدبيات المنتشرة في مدن إقليم كوردستان، وهذا ما يثبت أنّ دور لغة صياغة الأخبار لا يساهم فقط في إحداث التغيير اللغوي؛ بل يتعداه إلى الترويج لذلك التغيير، بفعل الإنتشار الواسع الذي يتلاقه هذا التغيير عن طريق وسائل الاعلام المتعددة.
يلاحظ أنّ التغييرات الشكلية التي شهدها الخبر الصحفي قد أثرت هي الأخرى على سمات اللغة المستخدمة فيه، وجعلتها لغة سهلة، قريبة من ذهنية المتلقي ومفرداته المستخدمة، وبعيدة عن الجمل المركبة والفقرات الطويلة، كما هو الحال في النص الأول، وهذا ما جعل اللغة بشكل عام تميل إلى القصر والإيجاز في نقل المعلومة والمضمون، لا سيما في الوقت المعاصر الذي أصبح الجميع يمارسون فيه الصحافة في منازلهم من خلال هواتفهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
5. النتائج
توصلنا بعد هذه الدراسة إالى الاستنتاجات التالية:
1- تبين لنا من خلال التحليل الذي قمنا به؛ أنّ اللغة التي تصاغ بها الأخبار(اللغة الإعلامية) تميل إلى استخدام مصطلحات ومفردات حديثة و معاصرة، تتلاءم مع العولمة وطبيعة المرحلة التي تعبر عنها، فلغة الخبر الأول استخدمت فيها تراكيب سياسية عبّرت عن تلك الفترة، مثل عبارة(مجلس قيادة الثورة) التي كانت تطلق على الهيئة التي تدير البلاد في ذلك الوقت، أي أنها كانت تؤدي دورا يوازي دور البرلمان أو مجلس النواب في الوقت الحالي، بعكس الخبر الثاني الذي مال لاستخدام مصطلحات سياسية حديثة، تتواءم مع الوقت المعاصر مثل عبارة (التشكيلة الحكومية، أقليم كوردستان، ستراتيجية التحقيقات)، بهذه الآلية تساهم اللغة التي تصاغ بها الأخبار في عملية تطوير اللغات، من خلال توظيفها لبعض التراكيب الحديثة وإهمال التراكيب القديمة؛ وهذه الآلية تمنح اللغة ديمومتها في تلبية احتياجات المجتمع.
2- أظهر لنا التحليل أنّ محرري الأخبار؛ يقومون باستدراج مفردات من حقول دلالية مختلفة، ويوظفونها في صياغة الخبر، مثل المفردات التي توقفنا عندها في تحليلنا للنص الثالث وهي: (وحشي) و(مخاض) و(انبعاث)، وهي تراكيب ومفردات تنتمي إلى حقول عالم الحيوان والولادة و الموارد الطبيعية، لكن المحرر قام باستدعائها ووظفها بشكل تخدم حقلا آخر، وهو حقل الصحافة والإعلام، وهذه العملية تجعل هذه التراكيب مألوفة لدى القراء بمفاهيم تتلاءم مع سياقات الحقل الإعلامي، وبهذه الطريقة فقد ساهمت عملية صياغة الأخبار اللغة في تطوير اللغة وتنميتها.
3- لجأت لغة صياغة الأخبار في السنوات الأخيرة إلى استخدام العبارات والتراكيب الموجزة والموحية، لتتناسب مع معطيات العصر الحديث؛ الذي يمتاز بالسرعة والإيجاز المركز في خطاباته، وهذا ما لاحظناه عند تحليلنا للخبرين الثاني والثالث، بعكس الخبر الأول الذي اعتمد على الجُمل الطويلة في صياغته، وهذا التوجه الإعلامي في صياغة التراكيب بشكل مركز؛ جعل اللغة بشكل عام تميل الى الإيجاز، والإختصار في إيصال المعاني والمفاهيم إلى المتلقي، وفي النهاية أدّى إلى تغير شكل اللغة وتطورها من الناحية التركيبية.
4- يلعب الإعلام من خلال وسائله المتعددة دوره في عملية تغير اللغة، ويحصل هذا التغير على مستويات مختلفة من اللغة (الصرفي، والتركيبي، والصوتي، والمعجمي الدلالي)، وهذا التغيير مستمر لأنّ وسائل الإعلام وأدواته وأنواعه تطور بشكل مستمر، لتواكب التطورات التي تحدث في جميع مجالات الحياة، وهذا ما رأيناه في لغة صياغة الأخبار، التي تقوم بتوظيف مصطلحات ومفردات وعبارات وتراكيب حديثة بما تتلاءم مع التطورات التي تطال جميع مجالات الحياة.
5- لاحظنا أنّ تأثير لغة صياغة الأخبار لا ينحصر في إحداث عملية التغيير اللغوي فحسب، بل يتعدى إلى الترويج لذلك التغير الذي يحدث في اللغة، لأنّ من سمات اللغة المستخدمة في المجال الإعلامي؛ أنّها تنتشر بسرعة، وتصل إلى الكثير من المتلقين في وقت قصير، بعكس اللغة المستخدمة في مجالات أخرى مثل: الكتب والمؤتمرات والجامعات؛ التي يكون انتشارها محدودا، في حين أنّ الأخبار يتم صياغتها وضخّها عبر وسائل إعلامية وإعلانية كبيرة مثل: التلفزيون والإذاعة والصحافة الورقية والصحافة الألكترونية وعبر مواقع التواصل الإجتماعي؛ لذلك فان هذا الدور يجعل التغيير الذي يحدث في لغة صياغة الأخبار خطيرا ومؤثرا، كونه يصل بسرعة إلى أكبر عدد من المتلقين.
6. قائمة المصادر
1.6. الكتب (التاليف والترجمة):
ابن الحاجب، جمال الدين.(2006). مختصر منتهى السؤال والامل في علمي الاصول والجدل. تحقيق: نذير حمادة. دار ابن حزم. الجزائر.
ابن جني، أبو الفتح عثمان.(2008). الخصائص. ج 1. تحقيق: محمد علي النجار. دار الكتب العلمية.
ابن خلدون ،عبدالرحمن.( 1992). مقدمة ابن خلدون. تحقيق: أ.م.كاترمير. مكتبة لبنان.
ابوعودة، عودة خليل.( 1985). التطور الدلالي بين لغة الشعر الجاهلي ولغة القرآن الكريم. مكتبة المنار، الأردن.
أنيس، إبراهيم.(1962). دلالة الألفاظ،.مكتبة الأنجلو المصرية. القاهرة.
أولمان، ستيفن.( 1962). دور الكلمة في اللغة. ترجمة: كمال بشر. دار الطباعة القومية. مصر.
خاقاني، محمود.( 1997). لغة الإعلام في الصحافة العربية والفارسية. دار الروضة. لبنان.
خليل، محمود.( 2002). انتاج اللغة الإعلامية في النصوص الاعلامية. مركز جامعة القاهرة. مصر.
الخولي، أمين.(1987). مشكلات حياتنا اللغوية. الهيئة المصرية العامة للكتاب. القاهرة.
الدليمي، عبدالرزاق.( 2004). اشكاليات الاتصال والاعلام في العالم الثالث. مكتبة الرائد العلمية للنشر. الأردن.
دي سوسير، فردينان.(1980) محاضرات في الألسنية العامة. ترجمة: غازي مجدي النصر. دار نعمان للثقافة. بيروت.
سابير، إدوارد.( 1995). اللغة مقدمة في دراسة الكلام. ترجمة: المنصف عاشور، الدار العربية للكتاب. تونس.
السامرائي، ابراهيم.( 1981). التطور اللغوي التاريخي. دار الأندلس للطباعة والنشر. لبنان.
شرف، عبدالعزيز.( 1990). الإعلام ولغة الحضارة. دار المعارف. القاهرة.
الطبال، فاطمة.( 1993). النظرية الألسنية عند رومان جاكبسون. المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع. بيروت.
عبد التواب، رمضان.( 1997). التطور اللغوي مظاهره وعلله وقوانينه. مكتبة الخانجي. القاهرة. مصر.
عطيطو، محمد ابو الوفا.( 2015). اللغة العربية في الإعلام بين الواقع والمأمول. منشورات شبكة الألوكة الإلكترونية. نوع الكتاب: ملف PDF.
عيد، محمد.(1980). المظاهر الطارئة على الفصحى اللحن والتصحيف التوليد التعريب المصطلح العلمي. عالم الكتب. القاهرة.
فندريس، جوزيف.( 1950). اللغة، ترجمة: عبدالحميد الدواخلي. مطبعة لجنة البيان العربي. القاهرة.
قمحية، جابر.(1418). اثر وسائل الاعلام المقروءة والمسموعة والمرئية في اللغة العربية. نادي المدينة المنورة.
لعياضي، نصر الدين.(1999). اقترابات من نظرية الأنواع الصحفية. ديوان المطبوعات الجامعية. الجزائر.
محمد، سيد محمد.(1984).الإعلام واللغة. عالم الكتب. القاهرة.
المهيري، عبدالقادر واخرون.(1989). اهم المدارس اللسانية. المعهد القومي للعلوم التربوية. تونس.
وافي، علي عبد الواحد.(2004). علم اللغة، دار نهضة مصر للطباعة.
ياقوت، محمود سليمان.(2018). قاموس علم اللغة، مكتبة الآداب، القاهرة، مصر.
2.6. المجلات العلمية:
التآخي.( 1970). مجلس قيادة الثورة يوافق على لائحة قانون المجمع العلمي الكردي. جريدة التآخي. بغداد. العدد 522.
حمدان، فتحية. (2019).أسباب التغير الدلالي ومظاهره. مجلة جسور المعرفة. جامعة الشلف. الجزائر. العدد 3.
الخربي، محمد محمد،. (2007). مفهوم اللغة في ضوء النظريات اللسانية الحديثة. مجلة علوم اللغة. دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع، مصر. العدد 72.
طالب، عبدالله عبده احمد. (2022). لغة الخطاب الإعلامي المعاصر – الواقع والمأمول. مجلة كلية التربية الاساسية. الجامعة المستنصرية. بغداد.
عبيد، جميلة. (2017). التطور اللغوي بين الواقع والآفاق. مجلة الحقيقة. المركز الجامعي عبدالحفيظ بوالصوف. الجزائر.
محمد ، برقان. (2015).اللغة ووسائل الإعلام الجماهيرية. مجلة الرواق. العدد 1.
المعايطة، باسم مفضي.( 2022). علاقة اللغة بالاعلام ودورها في الاتصال وأثرها في الجماهير. مجلة كلية الدراسات الاسلامية. بالاسكندرية. العدد 30.
3.6. المواقع الالكترونية:
الموقع الإلكتروني: https://altaakhi.net/2024/05/91832/ ، تم الدخول بتاريخ 7/5/2024.
Caitlin Doogan Poet Laureate.Wray Buntine & Henry Linger .)2023( A systematic review of the use of topic models for short text social media analysis. Artificial Intelligence Review. Volume 56. https://link.springer.com/article/10.1007/s10462-023-10471-x#auth-Caitlin_Doogan_Poet-Laureate-Aff1
Eliza Mitova.(2023).When Worlds Collide: Journalistic, Market, and Tech Logics in the Adoption of News Recommender Systems.JOURNALISM STUDIES. VOL. 24.https://doi.org/10.1080/1461670X.2023.2260504
Ourania Hatzidaki.Ioannis E. Saridakis (2020)A corpus study of outgrouping in Greek radical right computer-mediated discourses. Journal of Language Aggression and Conflict 8:2.v,204..https://benjamins.com/catalog/jlac.8.2
Bańko, M., Witalisz, A., & Hansen, K. (2021). Linguistic purism and loanword adaptation techniques: the case of Polish. Language Awareness, 31(1), 95–116.2021. https://doi.org/10.1080/09658416.2021.1990306.
Emma Marsden1,Amber Dudley1,Rachel Hawkes2,( 2023)Use of word lists in a high-stakes, low-exposure context: Topic-driven or frequency- informed,The Modern Language Journal.v,107:669–692. https://wileyonlinelibrary.com/journal/modl
راگەهاندن وەك ئالاڤەك بۆ وەرارا زمانی، زمانێ دارشتنا هەوالان وەك نمونە
پوختە:
ئەڤ ڤەكولینە لدور كێشەیەكا گرنك هاتیە نڤیسین، ئەو ژی كێشەیا گوهرین و وەرارا زمانی یە، راوەستیانەكة لسەر ئاستێن ئەڤ گوهرینە تێدا دهێنە ئەنجامدان، و شێوازێن ئەێ وەرارێ و گوهرینێ دیار دكەت، دیسان رۆلێ راگەهاندنێ وەك ئالاڤەك كاریگەر دپرۆسەیا گوهرین و وەرارا زمانیدا دیاردكەت. گریمانەیا ئەڤ لێكولینە لسەر هاتیە ئاڤاكرن ئەوە كۆ راگەهاندێ رۆلەكێ بەرز و كاریگەر هەیە دپرۆسێسا گوهریێن د لاشێ زمانیدا پەیدا دبن، و ژبۆ پشتراسكرنا ئەڤێ گریمانێ شروڤەكرنا زمانێ دارشتنا هەوالان كریە نمونە، لەورا ئەڤ ڤەكولینە لژێر ناڤ ونیشانانێ (راگەهاندن وەك ئالاڤەك بۆ وەرارا زمانی، زمانێ دارشتنا هەوالان وەك نمونە) هاتیە نڤیسین، كو ژ دوو پشكان پێك دهێت : تیوریی و پراكتیكی، دپشكا تیوریدا پێناسەیەكا باش بۆ تێگەهێن گرێدای بابەتی هاتیە كرن، و دپشكا پراكتیكیدا سێ هەوال كو چەندین 50 سالان ژێك دویرن وەك نمونە هاتینە شروڤەكرن، و ژئەنجامێن هاتینە سەلماندن ئەوە كو راگەهاندنێ رۆلەكێ هەرە كاریگەر هەبویە د پرۆسەیا گوهرین و وەرارا زمانیدا، نەخاسمە د ئاستێن بكارئینانا پەیڤان و ڤەهاندنا رستەیان دا.
پەیڤێن كلیلی: زمان، گەهاندن، وەرارا زمانی، راگەهاندن، وەرگر.
MEDIA AS A TOOL FOR LANGUAGE DEVELOPMENT, THE LANGUAGE OF NEWS FORMULATION AS A MODEL
ABSTRACT:
The research deals with an important linguistic issue, which is the problem of language development and its continuous transformations, examining the linguistic levels at which change takes place, the forms that this change takes, and explaining the role of the media as a tool in this process. The research was initiated out of the hypothesis that the media plays a fundamental role in the process of change that occurs in the body of language. The research adopted the language used in editing press news as a model to demonstrate the aspects of change that occur in the language, It consisted of two theoretical and applied parts, through the analysis of two models of three press stories separated by more than fifty years. The research concluded, after analysis and comparison, that the media has a major role in preserving the continuity of languages, through the changes it makes and on many linguistic levels, most notably the structural levels. and lexico-semantic level.
KEYWORDS: Language, Media, Language Development, Communication, Recipient.
* الباحث المسؤل.
This is an open access under a CC BY-NC-SA 4.0 license (https://creativecommons.org/licenses/by-nc-sa/4.0/)