الأمير أحمد بن مروان رائد التأسيس للعمل الإنساني في الإمارة المروانية الكردية

علي أحمد أجقو *

جامعة باتنة1 / الجمهورية الجزائرية.

تاريخ الاستلام: 05/2023            تاريخ القبول: 08/2023    تاريخ النشر: 12/2023  https://doi.org/10.26436/hjuoz.2023.11.4.1368

الملخص:

يعتبر الامير ناصر الدولة أحمد بن مروان (401-453ه/1010-1061) من أشهر الأمراء الذين تعاقبوا على حكم الامارة المروانية. تميزت فترة حكمه بسياسة إنسانية متقدمة تمثلت  في ترسيخ حق اللجوء  اذ فتح باب الامارة  لاستقبال الغرباء (اللاجئين) ، الترحيب بهم، توفير العيش اللائق بهم وبمكانة كل واحد منهم وفوق ذلك التعهد بعدم تسليمهم لطالبيهم  بأي حال من الأحوال، حتى غدت حواضر الإمارة خاصة آمد وميفارقين ملاذا آمنا لهؤلاء الذين من بينهم الملك الأمير، الوزير، العالم ، طالب العلم والتاجر و وفر الأمان والرعاية لكل من يقصد إمارته من طلاب العلم ومن عامة الناس. وبخصوص اللاجئين، نجد الأمير يرفض طلب تسليمهم مهما كان السبب، وهو بذلك يؤسس لمبدأ عدم التسليم ئالقصري للاجئين والذي لم يتم العمل به إلا في اتفاقية عام 1951، أي بعد أكثر من 900 سنة. وهناك مسألة مهمة تحسب للأمير المرواني  وهو حرصه على تعزيز سياسة حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وحل الخلافات بالطرق السلمية.

الكلمات المفتاحية: الإمارة المروانية، الأمير أحمد بن مروان، العمل الإنساني، اللاجئين، حسن الجوار، التعايش السلمي


أولا: مقدمة:

يعود تاريخ ظهور الإمارة[1] المروانية إلى سنة 372ه/982 و التي استمر حكمها إلى غاية سنة 478ه/1086، وكانت عاصمتها آمد في ديار بكر حاليا ثم ميافارقين. وقامت بدور سياسي وحضاري متميز في آمد  وما جاورها (ميافارقين، أرزن، حصن كيفا، خلات ،ملاذ كرد وأرجيش) وأثبت أمراؤها مقدرة سياسية خلال حكمهم، الذي كان مميزا في الجوانب الحياتية المختلفة: الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية، العلمية وأيضا الإنسانية.

ومن أمرائها المتميزين الأمير نصر الدولة أحمد بن مروان (401-453هـ/1010-1061)، الذي حكم أكثر من خمسين سنة.

لقد بدأ هذا الأمير عهده بإعادة تنظيم شؤون الإمارة على قواعد متينة، مما ساهم في تعزيز امنها واستقرارها وترسيخ مبدأ التسامح الديني والعيش المشترك بين جميع مكوناتها من مسلمين ومسيحيين، اتجهت جهوده بعد ذلك لتعزيز مكانة الإمارة في مختلف المجالات، سياسيا، اجتماعيا، اقتصاديا، علميا، ثقافيا وأيضا إنسانيا.

ألا تعد الإمارة المروانية إذا سباقة في مجال التأسيس للعمل الإنساني  والتعايش السلمي بين الشعوب والأمم من القوى الغربية ؟ الإجابة على هذا التساؤل ستكون حجر الزاوية في هذا البحث

 

 ثانيا: نشأة الإمارة المروانية:


تعود بدايات تأسيس الإمارة المروانية إلى سنة 372هـ/982 وظلت قائمة إلى غاية سنة 478ه/1086، وكانت عاصمتها آمد ثم ميافارقين. وقامت بدور سياسي وحضاري متميز في آمد وما جاورها (أنظر الخريطة)، وأثبت أمراؤها مقدرة سياسية خلال مدة حكمهم، الذي كان مميزا في جميع مناحي الحياة.


 

الشكل: الخريطة السياسية للإمارة المروانية


1.- نبذة تاريخية مختصرة عن مؤسس الإمارة:

مؤسس الإمارة المروانية كما يذكر الفارقي في تاريخه[2] يسمى  باد بن دُوستك، وهو أبو عبد الله الحسين بن دُوسْتِك،  وكان يمتاز بالحنكة وبرجاحة العقل وكرم الطبع، وقد التفّ حوله المعجبون به، فهاجم أرجيش، وكانت أول مدينة تدين لسلطانه، كما أقام علاقات ودّية مع الملك البويهي عضد الدولة، تكللت بتقديمه مساعدات قيّمة للجيش البويهي بغية كسر شوكة خصمه الأمير الحمداني أبي تغلب.

وحينما دخل البويهيون الموصل سنة 368هـ جاء أبو عبد الله الحسين والذي يلقب بأبي شجاع و أيضا بباد  للقاء عضد الدولة، وما إن اجتمع به حتى فطن إلى أنه لن يبق عليه، وكان ظنه صائباً[3] : فقد ذكر ابن الأثير أن عضد الدولة قال بعد أن خرج  باد  من مجلسه: " له بأس وشدة، وفيه شر، لا يجوز الإبقاء على مثله ". وأمر بالقبض عليه، لكن كان أبو شجاع قد غادر المدينة سراً، ولحق بجيشه،  وسرعان ما تعاون البويهيون والحمدانيون للقضاء عليه، فخابت مساعيهم، ثم هاجم أبو شجاع الموصل، وخاض معركة ضارية ضد بني بويه والحمدانيين وبني عقيل، وجرح في المعركة ، ثم قُتل، وكان ذلك سنة 380 هـ / 990 م، و " وحُملت جثّته إلى الموصل... وصُلّي عليها بالموصل، ودُفنت، ولحق أهل الموصل من الحزن عليه والأسف لقتله ما لا يوصف، وعملوا عليه المآتم والنّدب والبكاء"[4].

وبعد وفاته  تولى القيادة خلفا له ابن أخته أبو علي حسن بن مروان،  وكان هذا الأخير شهماً جريئاً، ودارت معارك بينه وبين الحمدانيين جنوباً، وبينه وبين الأرمن شمالاً، هذا إلى جانب صراعه مع الدولة البيزنطية من ناحية الغرب. وكان ينوب عنه في شؤون الحكم سياسي كردي موهوب يدعى مَمْ، قال في شأنه الفارقي: " وكان شيخاً مقداماً مجرَّباً شهماً من الرجال، قد حنّكته التجارب، وبقي يسوس دولة أبي علي ويدبّرها أحسن تدبير"[5]. واغتيل أبو علي سنة 387 هـ / 997، وتولّى الإمارة من بعده الأمير سعيد بن مروان، ولقبه ممهّد الدولة، وفي عهده نالت الدولة المروانية الاعتراف من قبل القوى السياسية الكبرى حينذاك؛ إذ أرسل الخليفة العباسي القادر بالله وفداً رسمياً لتهنئته، كما اعترف بها كل من الملك البويهي بهاء الدولة في العراق وفارس، والخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله في مصر، واجتمع ممهّد الدولة بالإمبراطور البيزنطي باسيل سنة 390هـ  في المنطقة الحدودية بين الدولتين، واتفقا على التفاهم والتحالف. واغتيل ممهّـد الدولة حوالي سنة 401هـ  بمؤامرة دبّرها حاجبه شَيرُوه بن مَمْ، وتعرّض كيان الدولة للخطر، فقد حاول شيروه الاستئثار بالحكم والقضاء على الأسرة الحاكمة، أي الأسرة المروانية، لكن رؤساء العشائر الكردية وقفوا إلى جانب الأمير ناصر الدولة أحمد بن مروان، فتولّى الحكم بعد أخيه ممهّد الدولة، وبدأ معه عهد القوة والازدهار في الإمارة.

وفيما يلي أسماء الأمراء الذين تعاقبوا على حكم الإمارة المروانية:


جدول: الأمراء الذين تعاقبوا على حكم الإمارة المروانية

ر

اسم الأمير

الكنية

مدة الحكم

المصير

تولية

مغادرة

1

أبو عبد الله الحسين بن دستك

أبوشجاع أو باد

372ه

380ه

قتل في معركة

2

حسين بن مروان

أبو علي

380ه

387ه

اغتيال سياسي

3

سعيد بن مروان

ممهد الدولة

387ه

401ه

اغتيال سياسي

4

أحمد بن مروان

نصر الدولة

401ه

453ه

وفاة طبيعية

5

نظام الدين نصر

نظام الدولة

453ه

472ه

تنازل بالإكراه

6

ناصر الدولة بن نظام الدين

المنصور

472ه

478 ه

وفاة طبيعية

المصدر: أعد من طرفنا اعتمادا على معلومات مستقاة من مراجع متعددة

 


2.- نبذة عن شخصية الأمير أحمد بن مروان ومنهجه في إدارة شؤون الإمارة:

أ) نبذة عن شخصيته:

يعتبر الأمير أحمد بن مروان الملقب بناصر الدولة ناصر الدولة (401-453هـ/1010-1061)، الذي آل إليه حكم الإمارة على إثر اغتيال أخيه أبو منصور سعيد بن مروان الملقب بممهد الدولة سنة 401 هـ/ 1011، واستمر حكمه إلى سنة 453 هـ/1061، من أشهر الامراء المروانيين. بدأ بتنظيم أمور دولته على قواعد متينة، فعيّن الولاة والموظفين على أساس من الكفاءة والإخلاص، ليعيد إلى الإمارة هيبتها ، ويوطّد حكمه على دعائم من العدل والمساواة، ويهيّئ لسكان الإمارة حياة يسودها الهدوء والاستقرار، وأعاد الأمور إلى نصابها بعد أن تزعزعت بشدة إثر اغتيال سلفه وأخيه ممهّد الدولة.

لقد ارتبط بروز الإمارة المروانية محليا و إقليميا بالأمير ناصر الدولة أحمد بن مروان، الذي لعب دورا مهما في ازدياد قوة الإمارة واتساع نفوذها وتنوع علاقاتها وازدهار حركتها الثقافية والعلمية والعمرانية والإنسانية، وهو ما أكسب المروانيون احترام المسلمين وغير المسلمين وتقديرهم، كما يؤكد على ذلك غالبية المؤرخين والباحثين، ومن بينهم ابن الأثير مشيدا بسيرة الأمير أحمد بن مروان في رعيته: " وسيرته في رعيته أحسن سيرة " و أيضا الفارقي واصفا ابتعاد الأمير ناصر الدولة في حكمه عن الطغيان: " وعظُم شأن نصر الدولة، وكبُر أمره، وتقرّرت مملكته، وفَعَل الخير، وعَدَل في الناس،… وفَعَل من الخير ما لم يفعله أحد من بيته وأهله "[6].  

ويتميز الأمير  بحرصه الشديد على التدقيق في اختيار وزرائه وموظفي إمارته: فقد أشارت المصادر التاريخية إلى اثنين من وزرائه كانا على درجة عالية من الكفاءة والإخلاص، أحداهما الوزير أبو القاسم الحسن بن علي المغربي صاحب الديوان والشعر والرسائل والتصانيف المشهورة، و الوزير الآخر هو أبو نصر بن جهير الملقب بفخر الدولة.

وقد توفي نصر الدولة سنة 453هـ، وكان عمره نيّفاً وثمانين سنة، ودفن في جامع المحدثة وقيل في القصر بالسدلي، إلى أن بنت ابنته ست الملك القبة الموسومة بهم وذلك في سنة 456هـ، ونقلت رفاته إليها[7].

وقد حكم  قرابة ثلاث وخمسين سنة[8]، وخلف من الذكور نيفاً وعشرين ولداً، وتلاه في الملك من بعده ولده نظام الدين، ونافسه أخوه الأمير سعيد مستعيناً بالسلاجقة، وظل شأن الدولة المروانية يتناقص، تارة بفعل التناحرات الداخلية، وأخرى بتأثير أطماع السلاجقة، وسقطت العاصمة ميّافارقين بين أيديهم سنة سنة 478 هـ/  1086.

وهكذا طويت صفحة الإمارة المروانية ككيان سياسي بعد أن عمرت مئة وست سنوات ، رغم أن أمراءها استطاعوا بدهاء تجنيب إمارتهم الكثير من الصراعات المدمرة بفعل سياسة التعايش السلمي التي انتهجوها، خاصة نصر الدولة.

ب) منهجه في إدارة شؤون الإمارة:

1-سياسيا:

نشأت الإمارة المروانية في منطقة جغرافية استيراتيجية تتقاطع فيها مصالح القوى الإقليمية الفاعلة الإسلامية والمسيحية، ورغم ذلك نجح الأمير أحمد بن مروان في ضمان أمن بلاده وسلامتها وتعزيز مركزها السياسي، وذلك بفضل السياسة الرشيدة التي انتهجها طوال فترة حكمه وكانت على ما يبدو من هندسة وزيره  السياسي أبو القاسم المغربي، والقائمة على:

-نسج علاقات خارجية متوازنة مع القوى الكبرى خاصة العباسيين، البيزنطيين والفاطميين.

-المصاهرة السياسية والتي تقوم على أساس الزواج من بنات الأمراء[9]حيث كان زواج الأمير من أربع نساء ثلاث منهن بنات ملوك و أمراء. وبالفعل فقد كان زواجه من:

- الفضلونية بنت الأمير فضلون، أمير الإمارة الشدادية.

- السيدة بنت شرف الدولة قرواش، أمير الموصل.

- أرملة أخيه الأمير حسن بن مروان ابنة سحاريب ملك الساسانة.

- الفرجية وهي جارية مصرية[10]. وهي الوحيدة التي كانت من عامة الناس، وتسبب زواجه منها في عدم رضا زوجاته وخاصة الفضلونية[11].

-الحياد الإيجابي إزاء دول الجوار المتعادية، حيث نجد الأمير يتجنب الانضمام إلى التحالفات المتعادية: البويهيون، الحمدانيون، الفاطميون، البيزنطيون والأرمن.

وبفضل هذه السياسة الحكيمة  كسب احترام القوى المجاورة وعلى رأسها الخلافة العباسية، و نجح أيضا في تجنّب الانضمام إلى التحالفات، حيث بنى سياسة قائمة على الحياد وعدم التدخل في الصراعات والنزاعات الدائرة بين مختلف القوى في المنطقة، و العمل على تجنّب الحروب بكل الوسائل، وحلّ المشاكل عن طريق التفاوض.

وكان الأمير نصر الدولة يشرف بنفسه على رسم سياسة الإمارة الداخلية والخارجية مستفيدا من خبرة وزرائه خاصة الوزير المغربي الضليع في رسم السياسات الخارجية والخبير في العلاقات بين الأمم[12].

2- عدليا:

لقد آمن الأمير بالمقولة الشهيرة أن العدل أساس الملك، ومن ثمة نجده حريصا على إقامة العدل بين رعيته وكل من يعيش في إمارته. وقد أجمع المؤرخون على عدالة المير وحرصه على محاربة الظلم والانتصار للمظلومين: فعلى سبيل انتصاره لخادمه ضد آمر جيشه أبو حكيم الحديثي، حينما أتاه شاكيا بعد أن ضربه الأخير فشج رأسه[13]، و أيضا أنه ما ظلم أحد من رعيته  طيلة حكمه ولا تعرض أحد للمصادرة ما عدا أبو بكر بن بحري وذلك بسبب صداقته مع صاحب السناسنة، حيث قصد الأمير بعض من يعاديه، وقال: أن هذا واطأ صاحب السناسنة وربما سلم إليه البلد، فكبس بيته فوجد فيه سلاحا كثيرا فاتهم بذلك وصودر، فبلغت مصادرته أربعمائة ألف دينار و أبقى لورثته بعد ذلك ثمانون ألف دينار، و إلا لم يعرف أن نصر الدولة أخذ من أحد الدرهم الفرد" [14].

3- اجتماعيا:

لم يدخر أي جهد في الاهتمام بمصالح السكان، توفير العيش الكريم لهم والسهر على إشاعة الأمن و أيضا على ترسيخ مبدأ التسامح الديني والعيش المشترك بين جميع مكونات المجتمع المرواني من مسلمين، ومسيحيين.

4- علميا وثقافيا:

أ) علميا: شهدت الإمارة في عهده ازدهارا علميا وثقافيا كبيرا نضجت فيه العلوم على اختلاف تخصصاتها وصارت حواضر ديار بكر مثل آمد وميافارقين مراكز علمية وثقافية تشد لها الرحال من مختلف الأمصار من قبل العلماء وطلاب العلم والتجار، حيث يطيب للجميع فيها المقام نظير ما يجدون من رعاية أميرية ومجتمعية كريمة.

وظلت هاتين الحاضرتين مقصدا خاصة للعلماء، الأدباء والشعراء يفيدون إليهما من كل حدب وصوب، كما يؤكد ذلك ابن الأثير قائلا: "وكان نصر الدولة مقصداً للعلماء من سائر الأفاق، وكثروا ببلاده، وقصده الشعراء، وأكثروا مدحه، وأجزل جوائزهم"[15] . كما ظلت مجالسها وحلقاتها العلمية مقصدا لطلاب العلم. هذه المؤسسات التعليمية مكنت من تخريج إطارات رفيعة المستوى وفي مختلف التخصصات، ساهمت بفاعلية في تسيير إدارة دواوين الإمارة المختلفة وخاصة في مجال القضاء والإفتاء والإمامة.

ب) ثقافيا: وتبعا للشهرة التي نالها الأمير أحمد بن مروان كونه راعي الآداب والفنون، راح بلاط الإمارة يستقطب أعدادا كبيرة من مشاهير الشعراء والأدباء والكتاب لإلقاء قصائد التغني بأمجاد الإمارة المروانية ومدح أميرها. ومن بين كبار الشعراء الذين نالوا الحظوة عند الأمير، نذكر منهم أبو الحسن علي بن محمد التهامي، الذي خصه  بقصيدة مدح نورد منها البيت التالي:

 إنْ قال: لا، فهي آلاء مضاعفـةٌ  ***  وإن يقل نَعَماً أفضتْ إلى نِعَــمِ

 وكان لناصر الدولة شعراء عديدون يلازمون بلاطه، منهم ابن الظريف الفارقي، وابن السوادي، وابن الفطيري، والشاعر الكبير الأمير حسين بن داود البَشْنَوي، والمَنازي، ولم يكن الشعراء وحدهم هم الذين أعجبوا بنصر الدولة وعهده الزاهر، بل شاطرهم العلماء الشعور ذاته، وكذلك أصحاب الفن.

وما يجدر ذكره أن المؤسسات التعليمية في الإمارة ساهمت في تخريج علماء ساهموا بفاعلية في تسيير إدارة دواوين الإمارة المختلفة وخاصة في مجال القضاء والإفتاء والإمامة.

5- عمرانيا:

إلى جانب اهتمامه بالمجالات الأخرى، لم يهمل الأمير ناصر الدولة الجانب العمراني، فقد اهتم بالكثير من المشاريع العمرانية، منها بناء مدينة النصرية على ضفة نهر باطمان، وصرف اهتمامه إلى بناء المساجد والجسور وقنوات المياه، والتحصينات الدفاعية، ولا سيما في المناطق المتاخمة للحدود البيزنطية. وقرّر تشييد قصر ملكي فخم في العاصمة ميّافارقين، يدل على أبّهـة الأمير، فحشد له المهندسين ورجال العمارة والفن، وأجرى في حيطانه وسقوفه الذهب، وعمل فيه ما لا نظير له، وزوّده بكل أسباب الراحة والعيش الرغيد، واشتمل القصر على قاعات للاجتماعات والاحتفالات، وأجرى إليه قناة الماء من رأس العين، وعمل فيه البرك والحمّام[16].

وقد كان للحركة لعمرانية التي قادها الأمير، بموازاة مع الحركة السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، التعليمية والثقافية والإنسانية، الدور الكبير في إقرار الأمن والاستقرار في أنحاء الإمارة وخاصة في أهم حاضرتيها وهما آمد وميافارقين.

ثالثا: إسهامات الأمير أحمد بن مروان في مجال العمل الإنساني:

اشتهرت الإمارة المروانية في عهد هذا الأمير الذي يقول عنه الفارقي بأنه "حصل كهفا لمن التجأ إليه" وذلك بالسياسة التي انتهجها والمتمثلة في فتح باب الإمارة لطالبي اللجوء لللاجئين والترحيب بهم و العطف عليهم، وتوفير العيش اللائق بمكانتهم، حتى غدت حواضر الإمارة خاصة آمد وميافارقين أرض لجوء و ملاذاً آمناً ذائع الصيت في المنطقة كلها إسلامية كانت أم مسيحية.

وقد وجدنا من بين هؤلاء اللاجئين الملك، الأمير، الوزير والعالم بالإضافة إلى الأصناف الأخرى من طلاب العلم، التجار والناس العاديين. والأكثر من ذلك أن الأمير اتخذ قرارا بعدم إمكانية تسليم هؤلاء مهما كانت الأسباب والتداعيات: فقد رفض رفضا قاطعا، على سبيل المثال، الطلب الملح المقدم من صهره شرف الدولة قرواش حاكم الموصل بتسليم اللاجئ السياسي الشهير أبو القاسم المغربي وسليمان بن فهد[17]، فكان رده واضحا: " لا أسلمهما أبدا"[18]. وقد تسبب هذا الرفض في توتر العلاقات بين ناصر الدولة وصهره والد زوجته السيدة[19] من جهة ومع الخليفة العباسي من جهة أخرى[20].

إن انسانية الأمير  وحرصه على تحقيق العدل وحسن المعاملة مع الرعية وتوفير الأمن، تحقّق الازدهار الاقتصادي، بحيث أصبحت الإمارة المروانية، وخاصة مركزيها آمد وميافارقين، واحة وارفة الظلال يقصدها التجّار، الصنّاع، أهل العلم، الشعراء وطالبي اللجوء، وهذا ما يؤكده الفارقي قائلا: " وانعمرت ميافارقين أيام نصر الدولة، وقصدها الناس".

1- إرساء وتكريس المبادئ السياسية والقيم الإنسانية:

من اسهامات الأمير أحمد بن مروان التي لم تحض باهتمام الباحثين هي اسهامات الأمير في جانب مهم والمتمثل في إرساء وتكريس المبادئ السياسية والقيم الإنسانية والخيرية وتفعيلها على أرض الواقع، في الوقت الذي كان جيرانه يهملونها تماما.

أ) المبادئ السياسية:

1- إرساء وتكريس مبدأ التعايش السلمي بين الدول:

إيمانا منه بأهمية هذا المبدأ في العلاقات بين الدول، كان الأمير المرواني غالبا ما يلجأ، عند تعرض بلاده لمشاكل خارجية ذات طابع سياسي أو عسكري، إلى التفاهم وحل تلك المشكلات بالطرق السلمية متجنبا استخدام القوة بقدر الإمكان: فقد كان يدفع شر  الخصوم عن طريق التفاهم والتعويض المالي، حيث كان  يطلب من  قادة جيشه ورجال حكومته تقدير المبلغ الذي سيكلف خزينة الإمارة في حال الدخول في صراع مسلح مع خصمه، فيقوم بعرض المبلغ على الخصم  تفاديا للدخول في الحرب معه. وبهذه الطريقة التي تعتبر غريبة نوعا ما دفع خطر أعدائه و أرجعهم عن مهاجمة إمارته أكثر من مرة، على الرغم من قدرته  في أحيان كثيرة على مجابهتهم بالقوة، و هذا ما يؤكده ابن كثير بقوله:" وكان كثير المهادنة للملوك إذا قصده عدو أرسل إليه بقدر ما يصالحه به فيرجع عنه"[21]، وبالفعل وكما يروي الفارقي أنه دفع إلى بوقا وناصغلي قائدي الغز المهاجمين لديار بكر عام 433هـ/1042 خمسين ألف دينار تجنبا للدخول معهم في صراع مسلح[22]، كما دفع أيضا مبلغ 15 الف دينار إلى قرواش[23]، بالرغم من فشله في محاصرة الجزيرة ونصيبين فشلا ذريعا، من صداق ابنته السيدة إنهاء للعداوة وحلا للمشكلة[24] وحفاظا على الأرواح والممتلكات والمنجزات السياسة والحضارية.  واستمرت هذه السياسة في عهد من جاء بعده:فقد أعطى ابنه الأمير نظام الدين طغرل بك السلجوقي خمسين ألف دينار ثمنا للعدول عن مهاجمة ميافارقين، وبالفعل عاد طغرل بك، مع قواته، من حيث أتى[25]، وسلمت المدينة.

و هذه السياسة السلمية التي انتهجتها الأمير نصر الدولة في تعامله مع جيرانه أفضت عمليا من جهة إلى ضمان أمن واستقرار ورخاء الإمارة نيفا وخمسين سنة وهي مدة حكم الأمير نصر الدولة، ومن جهة أخرى  ضمنت تأمين حدود الإمارة من اعتداءات الدولة البيزنطية المدمرة لفترة طويلة بفعل سلسلة من اتفاقيات السلام وعدم الاعتداء والصداقة وحسن الجوار، لم يتم خرقها من قبل البيزنطيين إلا مرة أو مرتين في مدة 106 سنوات[26] والتي هي عمر الإمارة المروانية.

2-  تكريس مبدأ حسن الجوار:

لقد كانت الدول المجاورة والممثلة بالخلافة العباسية، والخلافة الفاطمية، والدولة البيزنطية  تعترف بالإمارة المروانية و تتعامل معها بندية و اهتمام واحترام، وتقدّر مناخ الأمن والاستقرار السائد فيها والانسجام بين مكوناتها، فراحت تخطب ودّها، وتقيم معها أفضل العلاقات. ومما يؤكد ذلك أن ممثلي هـذه الدول المجاورة وصلوا إلى العاصمة مَيّافارقين في زيارة رسمية كموفدين من حكوماتهم في يوم واحد سنة 403هـ/1013 للاعتراف بالأمير نصر الدولة أميرا على الإمارة، حسب ما جرت به الأعراف الدبلوماسية في ذلك الوقت، مصحوبين بالهدايا والتحف الثمينة، وهذا دليل واضح على أمرين اثنين: أولهما حنكة الأمير المرواني في بناء علاقات سياسية متوازنة مع دول الجوار المتعادية. و ثانيهما الأهمية الاستراتيجية التي كانت تحظى بها الإمارة المروانية، وتأثيرها في التوازنات الإقليمية والحسابات العسكرية.

ومما زاد في سرور الملك نصر الدولة مصادفة وصول الوفود مع الانتهاء من بناء القصر الملكي، ومـع إطـلالة عيد الأضحى. ولقد وصف الفارقي جزءا من تلك الأحـداث السياسية الهـامة التي كانت الإمارة المروانية مسرحا لها والمتمثلة في اجتماع ممثلي دول الجوار: " في ذي الحجّة من سنة ثلاث وأربعمـائة، قبل العيد بثلاثة أيام، وصل خادم من خدم الخليفة القادر بالله، ومعه حاجب من سلطان الدولة ابن بويه يسمّى أبا الفرج محمد بن أحمد بن مَزْيَد، ووصل معهما الخُلَع والتشريف والمنشور بديار بكر أجمع من الخليفة والسلطان، ولُقّب بنصر الدولة وعمادها ذي الصَّرامتين ". وفي عشيّة ذلك اليوم وصل رسول من خليفة مصر، وهو الحاكم بأمر الله أبو علي منصور، وورد معه من الهدايا والتحف والألطاف شيء كثير، ولقّب نصر الدولة بعزّ الدولة ومجدها ذي الصَّرامتين، فخرج كل من في الدولة إلى لقائه، ودخل البلد. ومن بُكرة ذلك اليوم ورد رسول من ملك الروم باسيل الصقلّي وكان ملك القسطنطينية، فخرج الناس إلى لقائه، ووصل معه من القُود والجنائب والتحف ما لا يوصف ". " وكان اليوم الرابع للعيد، وجلس نصر الدولة لهناء العيد على التَّخْت، وحضر رسول الخليفة والسلطان، فجلسوا على اليمين، وحضر رسول مصر، ورسول ملك الروم، فجلسا على الشمال، وحضرت الشعراء والقرّاء، وكان يوماً عظيماً وعيداً مشهوداً، وقرئت المناشير على الناس بحضور الرسل والأمراء، ولبس الأمير الخلع، وخلع على الرسل من الخلع ما لم يمكن أن يكون مثلها "[27].

ومما لا شك فيه أن السياسة الحكيمة التي رسمها نصر الدولة  لإمارته  كانت سبب ذلك الاهتمام، فقد قامت سياسته على الحياد وعدم التدخل في الصراعات والنزاعات الناشبة في المنطقة، وتجنّب الحروب بكل الأثمان.

ب) القيم الإنسانية والخيرية:

اشتهرت الإمارة المروانية في عهد هذا الأميرة بسياستها الإنسانية المتمثلة في الترحيب بكل من يطرق باب الإمارة وخاصة المظلومين، حتى غدت حواضر الإمارة ملاذاً آمناً تتناقله الألسن وتلهج بالثناء على شخص الأمير ناصر الدولة.

1- القيم الإنسانية:

لقد أصبحت الإمارة المروانية وخاصة مركزيها آمد وميافارقين، "واحة وارفة الظلال"، يؤمها المضطهدون من كل حدب وصوب: فكانت مقصدا للتجّار، الصنّاع، طلبة العلم، العلماء، الشعراء والأدباء، كما يؤكد ذلك الفارقي بقوله: " وانعمرت ميافارقين أيام نصر الدولة، وقصدها الناس والتجار وجماعة من كل الأطراف، واستغنى الناس في أيامه، وكانت أحسن الأيام ودولته خير الدول".

أ) إرساء وتكريس حق اللجوء واللجوء السياسي:

لم يتمتع بالأمن والحرية والعدالة قوما في هذه الفترة مثلما تمتع سكان الإمارة المروانية وذلك بفضل عدالة أمرائها و إنسانيتهم ولا سيما نصر الدولة، الذي سبقت إمارته كثير من الدول  و أعني الغربية فرنسا على وجه التحديد التي يتغنى حكامها بأنها أرض لجوء، في إرساء وتكريس مبدأ اللجوء كحق و كقيمة انسانية وحضارية إسلامية،  وذلك بسب  ما توفر في هذه الإمارة من مقومات اللجوء كما يقول ابن الأثير وآخرون كثيرون:" وكانت بلاده آمن البلاد و أطيبها و أكثرها عدلا"[28].

إن سياسة هذا الأمير، القائمة على العدل والإنسانية في الشأن الداخلي كما في الخارجي، قد جلبت الأنظار في الأقطار الأخرى المجاورة بل وحتى البعيدة وخاصة الإسلامية، مما كانت سببا في هجرة كثير من الباحثين عن العدالة والأمن والاستقرار  ومن مختلف الشرائح: فقد تحولت، وبدون مبالغة، آمد وميافارقين إلى مدينتي لجوء بامتياز(Villes d’asile par excellence /Cities of refuge par excelence)، إذ قصدها عدد غير قليل من اللاجئين السياسيين والذي نجد فيهم الأمير والوزير والملك والعالم والطالب (طالب العلم). وقد كان هؤلاء يجدون الاستقبال الحسن والاحترام اللائق  والرعاية الكريمة، وقد أشار الفارقي إلى ذلك بقوله:"... وقصده الناس وحصل كهفا لمن التجأ إليه"[29]. وبجانب هذه الفئة قدم إلى الإمارة كثير من التجار و أصحاب المهن والحرفيين و أقاموا فيها، فارين من أعمال السطو والمصادرة وغيرها من المظالم في بلدانهم.

ومن اللاجئين إلى الإمارة المروانية من فئة السياسيين والعلماء سوف نعرض لعينة من السياسيين وبالمقايل سنذكر بالتفصيل العلماء اللاجئين للإمارة مع ذكر مناطق لجوئهم:

- السياسيين، قدم إلى الإمارة المروانية عديد اللاجئين السياسيين نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر:

· الأمير عبد العزيز البويهي، الذي كان سبب لجوئه أنه لما توفي والده جلال الدولة البويهي عام 435هـ/1045 ولم يكن حاضرا في بغداد ليخلف والده في الحكم، انتهز الفرصة أبن عمه أبي كاليجار ونصب نفسه أميرا، فحاول الأمير عبد العزيز استعادة السلطة فلم يفلح ولم يجد من يساعده أو يستقبله، فتوجه إلى الإمارة المروانية طالبا من أميرها نصر الدولة  حمايته، فواساه في محنته وعطف عليه وقدره تقديرا يليق بمكانته و أغدق عليه الأموال و وفر له سبل الراحة والاستقرار[30]. ولما توفي في ميافارقين أمر الأمير نصر الدولة عام 441هـ/1049 بنقل جثمانه إلى الكوفة ليدفن هناك[31].

· أبو القاسم المغربي وهو ابن الوزير أبو الحسن على بن الحسن المغربي وزير المعتز ومن بعده الحاكم، لقد تم استقبال هذا اللاجئ السياسي أحسن استقبال، و انتهى به المقام ليصبح وزيرا للأمير نصر الدولة ومن أكفأ الوزراء[32]. وحينما طلب شرف الدولة قرواش أمير الموصل من الأمير ناصر الدولة تسليمه له رفقة سليمان بن فهد رفض رفضا قاطعا  قائلا: " لا أسلمهما أبدا"[33].

· ابن جهير الموصلي، هو الآخر لقي رعاية كريمة من الأمير نصر الدولة و أنعم عليه بمنصب الوزارة.

· ابن خان التركي، لجأ إلى الإمارة غاضبا من والده فوجد في الإمارة المروانية ملجأ هو  ومن معه من فرسان والبالغ عددهم ألف فارس،  و أقام بها مدة ثم انتقل إلى حلب بدعوة من أميرها عطية بن صالح بن مرداس.

· الوزير البويهي، عميد الدولة أبو سعيد، لجأ غلى الإمارة المروانية عند اعتزله السياسة و أقام بجزيرة بوتان حتى وفاته  سنة 439هـ/1048.

· ولي العهد أبو القاسم عبد الله المقتدر بالله، لقد أصبح خليفة عباسي بعد وفاة جده القائم بأمر الله، وقد لجأ إلى الإمارة المروانية بعد استيلاء الباساسيري[34] على السلطة في بغداد سنة 450هـ/1058 و إقامة الخطبة في مساجدها للخليفة الفاطمي بمصر[35]، وقد أرسلت أم الخليفة و ولي العهد وغيرهما إلى الإمارة المروانية سرا، ثم أعيدوا إلى بغداد عام 452ه/1060. لقد حظي ولي العهد ومن معه باستقبال لائق اذ تم انزالهم بقصر الأمير  وخصص لهم راتبا يوميا قدره خمسون دينارا  وحملهم عند رجوعهم إلى بغداد بأغلى الهدايا والتحف قدرت قيمتها بمائتي ألف دينار[36]. وفي هذا الصدد يقول الفارقي:" وخرجت السيدة ومعها أبو العبّاس محمد بن القائم - وهو الذخيرة أبو المقتدى- فقصدت السيدة ميّافارقين ومعها الذخيرة صغيراً، وخرج نصر الدولة إلى لقائهم، فأنزلهم واحترمهم وأضافهم، وأنفذهم إلى آمد، وأنزلهم في القصر، وتقدّم بما يحتاجون إليه "[37].

- العلماء، قد قدم إلى حواضر الإمارة المروانية خاصة آمد وميافارقين، من أنحاء البلدان الإسلامية مشرقا ومغربا، مائة وثمانون  عالمًا[38]، منهم علماء أتقنوا أو تخصصوا  بأكثر من علم من العلوم الدينية والأدبية والإنسانية. وكانت غالبية هؤلاء العلماء قدموا من مناطق المشرق الإسلامي.

§ المشرق الإسلامي: فقد قدم من هذه المناطق إلى الحاضرتين المذكورتين سبع وثمانون عالمًا[39]. وقد يكون سبب وفودهم الظروف الدينية التي سادت في بلادهم، وما عاناه الشافعية من تضييق لفترة معينة، مما  دفعهم إلى الهجرة والتوجه إلى الديار المروانية حيث الحرية، العلم والهدوء وحسن الاستقبال والرعاية، إضافة إلى كثرة الحروب في المنطقة التي لا تتوقف بسبب الصراع بين الدويلات التي ظهرت في المنطقة مثل السلجوقية و الغزنوية ...

ومما يجدر الإشارة إليه في هذا الصدد أن عدد العلماء القادمين من بغداد حاضرة الخلافة الإسلامية بلغ واحد وعشرون عالمًا، فكون بغداد مركزا حضاريًّا وعلميًّا لم يمنع علماءها من الهجرة إلى الحواضر المروانية، وأن يحلوا في المرتبة الثالثة بالنسبة لعدد العلماء الوافدين إلى هذه الحواضر.  ولعل السبب في ذلك هو انتشار المذهب الشيعي في العراق خلال القرن الخامس الهجري بسبب حكم البويهيين فيها مما سبب هجرة علماء بغداد إلى آمد وميافارقين التي كان المذهب السني سائدًا فيهما، هذا بالإضافة إلى رغبة علماء بغداد في الرحلة في طلب العلم للقاء علماء الديار المروانية والتحاور معهم والاستفادة من علمهم.

§ الجزيرة الفراتية: ويأتي في الدرجة الثانية بالنسبة لعدد العلماء الوافدين إلى آمد وميافارقين العلماء القادمون إليها من بقية إقليم شمال الجزيرة الفراتية، الذين بلغ عددهم تسع و أربعون عالمًا. وقد يكون سبب كثرة تنقل هؤلاء العلماء القرب الجغرافي من جهة، ولوجود علماء لهم مكانتهم ويستحقون  الرحلة إليهم للاستفادة من علمهم، هذا إضافة إلى تعرض بعض مدن شمال الجزيرة الفراتية لغارات البيزنطيين واضطرار علمائها للهجرة من مدنهم إلى أماكن أكثر أمنا وليس أفصل من آمد وميافارقين.

§ الحجاز: يأتي علماء بلاد الحجاز الوافدين من الناحية العددية  بعد علماء بغداد فقد بلغ عددهم إثنا عشرة عالمًا[40]، ويرجع السبب في قلة عددهم لكون الحجاز منطقة جذب للعلماء الوافدين، وذلك بسبب وجود الأماكن المقدسة بها، ووفود العلماء إليها في كل موسم من كافة أرجاء العالم الإسلامي، إضافة إلى عامل المجاورة الذي كان علماء العالم الإسلامي جميعًا يرغبون فيه، وذلك للمجاورة في الأماكن المقدسة، ولذلك قلت رحلتهم إلى خارج مكة والمدينة.

§ مصر:  أما مصر فقد قدم منها سبع علماء، وقد يكون السبب في ذلك استغناء علماء مصر بما عندهم من علماء يمكن التعلم على أيديهم، وتلقي العلم عنهم، هذا إضافة إلى رحلتهم إلى الحجاز للحج وللمجاورة، ولقاء العلماء فيها وإلى بغداد مركز الحضارة الإسلامية، وغير ذلك[41].

§ اليمن والمغرب الإسلامي : أما اليمن والمغرب الإسلامي فيأتيان في المرتبة الأخيرة، فلم يفد منهما إلى الديار المروانية إلا عالمان[42]، وقد يكون السبب في ذلك بالنسبة لليمن أنها كانت منطقة صراع بين أنصار الفاطميين وأعدائهم، ورحل أكثرهم إلى مصر ودمشق وبغداد لتلقي العلم فيها لأهمية هذه المناطق لكونها مراكز للحضارة الإسلامية، أو إلى الحجاز لأنها مركز المسلمين الديني ومركز العلماء المجاورين، وهذه الأسباب تصح أيضًا إلى قلة الوافدين من المغرب والأندلس.[43]

ومما تجدر الإشارة إليه في هذا الصدد أن الإمارة المروانية لم تمنح حق اللجوء فقط لكل من يطلبه وخاصة من البلدان الإسلامية و إنما دعمته بتطبيق عملي يعطي لحق اللجوء قيمته وهو "مبدأ عدم التسليم القصري لللاجئين" Principle of non-compulsory extradition of refugees)

وهو مبدأ يظهر ويطبق يطبق لأول في الإمارة المروانية في عهد الأمير أحمد بن مروان، حيث لم تظهر اتفاقية تتعلق بوضع اللاجئين إلا عام 1933والتي لم تحظ بالتصديق على نطاق واسع من قبل الدول الأطراف[44]. ويجب انتظار ما بعد الحرب العالمية الثانية لتصاغ اتفاقية متعلقة بوضع اللاجئين عام 1951 والبرتوكول الوحيد التابع لها عام 1967، وهذا ما مثل العنصر المركزي في النظام الدولي لحماية اللاجئين والنص على "عدم التسليم القصري أو الإعادة القصرية" للاجئ بأي صورة من الصور إلى اي بلد يكون معرضا فيه لخطر الاضطهاد سواء كان بلد المنشأ أو لبلد آخر. وهذا المبدأ يجد تطبيقه بحرفية، كما ذكرنا سالفا، في رفض الأمير أحمد بن مروان تسليم ابو القاسم المغربي إلى حاكم الموصل أو إلى الخليفة في بغداد.

يتضح مما سبق أن الإمارة المروانية في عهد الأمير أحمد بن مروان كانت متقدمة بنحو 923 سنة على كيانات المنطقة والكيانات الأوروبية المجاورة وبقية العالم فيما تعلق بحق اللجوء و بـ. 941 سنة فيما تعلق بتطبيق مبدأ عدم التسليم القصري للاجئين.

ولما ذاعت شهرة نصر الدولة وتناقلت الألسن أخبار عدالته و إنسانيته تجاه اللاجئين وعطفه على الفقراء والمحرومين، يل وحتى الطيور، أقبل الشعراء على ديوان الإمارة ليتغنوا بنصر الدولة و يخلدوا مآثره بقصائد شعرية رائعة وصادقة.

ألا تعد الإمارة المروانية الكردية سباقة، في هذه الفترة، في مجال التأسيس للعمل الإنساني في أبرز مجالاته من القوى الغربية المهمة مثل فرنسا وبريطانيا وغيرهما ؟ ما سبق استعراضه لا يدع مجالا للشك للباحث الموضوعي.

ب) ترسيخ مبدأ التسامح الديني:

لقد قامت سياسة نصر الدولة على مبدأ التسامح الديني[45] بين سكان الإمارة المروانية والذين كانوا متوزعين بين مذاهب شتى وديانات شتى وأعراق شتى، ورغم ذلك سادت فيما بينهم روح التسامح والتضامن، مما جعل سكان الإمارة يعيشون في انسجام تام، حيث لم تحدثنا المصادر عن وجود صراعات مذهبية أو دينية.

وبالفعل كانت هذه السياسة كفيلة بإقامة جسور من الحوار بقصد التفاهم  وجسور من التسامح والتعايش بقصد العيش المشترك. ومما يجدر ذكره في هذا الصدد أنه كان للمسيحيين ديرا في آمد يقيمون فيه طقوسهم واحتفالاتهم الدينية بكل حرية[46].

2- القيم الخيرية:

لم يدخر الأمير ناصر الدولة جهدا طوال مدة عهده تكريس كل القيم الخيرية التي جاءت بها الشريعة الإسلامية الغراء كرعاية الفقراء والمحرومين  و أيضا الطيور..

أ) رعاية الفقراء والمحرومين:

ومن مظاهر حرصه على رعاية الفقراء وتوفير العيش الكريم لهم أنه لم يتأخر خلال سبع سنوات تقريبا عن توزيع جريب من الحنطة على هذه الفئة يوميا في جامع ميافارقين[47].

بـ) رعاية الطيور:

ومما يجدر ذكره في سياق الحديث عن انجازات هذا الأمير غير التقليدية في مجال العمل الخيري، أن خيريته  وانسانيته لم تقتصر على "غير البشري"[48] بل شملت "الغير غير البشري"[49]، والمقصود هنا الطيور في الجبال، التي كان الأمير يأمر برعايتها زمن تساقط الثلوج، وبكيفية غير معهودة عند جيرانه من الأمراء والملوك المسيحيين بل وغير معروفة نهائيا ناهيك عن كونها محل تنظيمات وتشريعات.

والواقع أن العناية بالطيور لم تنفرد بها هذه الإمارة، بل وجدت منذ بزوغ فجر الإسلام وتأسست منذ أن وجد الوقف الخيري: فنجد الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز الذي كان يأمر بنثر القمح على رؤوس الجبال لإطعام الطيور، حيث بلغه أن الطيور تجوع في فصل الشتاء بسبب الثلوج التي تغطي قمم الجبال ، و أن الناس يصطادونها بسبب حاجتها إلى الحبوب، فأمر بفتح مخازن الحبوب و نثر ما يكفيها طوال فصل الشتاء، فكانت الطيور في ضيافته طوال الشتاء طيلة حكمه[50]: ففي بلاد الشام مثلا كانت تخصص دور لبعض الطيور كطائر اللقلق، طائر بلارج،  طائر الحمام[51]،  وفي فاس المغاربية، في القرن السابع الهجري، كانت هناك أوقافا لشراء الحبوب و إطعام الطيور في الأوقات الحرجة، بل والأكثر من ذلك أن طيور اللقلق كانت تعالج في أماكن خاصة سميت ب"المستشفيات"[52] إذا تعرضت للانكسار أو الأذى، فكان الطير يحمل إليها من أجل العلاج، التضميد والإطعام[53] و أما في الجزائر فيتطوع سكان بعض المناطق الجبلية، كجيجل، ميلة وتيزي وزو، التي تشهد تساقط الثلوج بكثافة، ويتوزعون على مجموعات للصعود إلى الجبال والمرتفعات، محملين بأكياس من القمح لنثرها في قمم الجبال.

يستعمل سكان هذه المناطق وسائل عدة فى نثر الحبوب للطيور: فمنهم مثلا من يستعمل قارورات ماء فارغة، ويربطها على الأشجار بشكل عكسي، ومنهم من ينثر الحبوب فى الهواء الطلق عن طريق آلات كتلك المخصصة لإطعام الدواجن بحيث تتساقط الحبوب، فيما ينثر آخرون القمح في أماكن محددة تُمكن أكبر عدد ممكن الطيور من الوصول إليها بسهولة. ويبدو أن هذا التقليد توارثه سكان هذه المناطق منذ الوجود العثماني في الجزائر.  و أما في اسطنبول فما زالت آثار تلك البصمات الخيرية تجاه الطيور موجودة في بعض الأماكن مثل مسجد السليمانية و مسجد أيازما ومباني أخرى حيث يمكن ملاحظة الدور  المخصصة للطيور[54].

وعلى كل يمكننا القول أنه حينما كانت الأمم تتلهى بقتل الطيور و تصطادها بدون ضوابط، كان الإسلام قد نظم لها شرائع وأقر لها حقوقا. ولعل ما رسخ حضور الطيور وزاد من الاهتمام بها عند الحكام المسلمين، كما هو الشأن بالنسبة للأمير نصر الدولة، يعود للمكانة المتميزة التي احتلتها الطيور في القرآن الكريم، حيث ذكرت كلمة طير وطائر عشرون مرة  و في خمسة عشرة سورة.

وباختصار يمكن  القول أن الإمارة المروانية قد تميزت، في عهد الأمير ناصر الدولة، بسبقها  في التأسيس لحق اللجوء، حيث غدت ملاذاً آمناً لعدد غير قليل من اللاجئين السياسيين في ذلك العصر، فيهم الملك والأمير والوزير، فكان ناصر الدولة يرحّب بهم، ويعطف عليهم، ويبالغ في إكرامهم، ويوفّر لهم العيش اللائق بمكانتهم ويرفض تسليمهم لطالبيهم، وهذا ما يؤكده الفارقي بقوله: " وقصده الناس من كل جانب، وحصل كهفاً لمن التجأ إليه "[55]

وربما مثل هذه التصرفات "الرحموية" تجاه الغير البشري والغير غير البشري التي ميزت عهد هذا الأمير و أمراء قبله وبعده هي التي دفعت الأمريكية كرستين ستيلت(Kristen A. Stilt) للقول:" لقد بني الإسلام على مبادئ الرفق والرحمة والعطف والعدل، والتي تعد من الأمور الجيدة، هذه المبادئ التي تنتشر من خلال نصوص الدين في القرآن والسنة، و أيضا من خلال ما جاء في التاريخ الإسلامي."

رابعا: استنتاج:

لقد كان الأمير المرواني نصر الدولة أحمد بن مروان من كبار أمراء الدويلات الإسلامية التي نشأت على هامش الخلافة العباسية الإسلامية وبقيت تعترف بها ولم تتمرد عليها، بالنظر للإنجازات التي حققها في الميدان العلمي والثقافي في مدن الإمارة خاصة آمد وميافارقين واللتيين غدتا حاضرتين علميتين يشد إليهما الرحال لوجود الكثير من رجال الفقه، الفكر والعلم من الآمديين ومن  الوافدين، الذين ساهموا مساهمة بارزة  في ازدهار الإمارة.

ورغم ما يمكن أن يقال عن هذا الأمير ودوره في الاستقرار السياسي والأمني وفي ازدهار الحركة العلمية والثقافية في آمد ورعايته للعلماء وطلاب العلم المحليين والوافدين، رعاية قل نظيرها في هذه الفترة التي ضيق فيها على العلماء والذين لم يجدوا من ملجأ آمن سوى هذه الإمارة وبجوار أميرها، إلا أن هناك اسهامات مهمة لهذا الأمير لا تقل أهمية عن الأولى  والتي لم يتم ابرازها وتسليط الضوء عليها من قبل الباحثين، تكمن في رعاية الجانب الإنساني، الذي يبقى له الفضل في الاهتمام به و إيلائه أهمية كبيرة لم يسبقه إليه أحد قبله ليس في الشرق بل في الغرب المسيحي أيضا: فقد فتح باب إمارته للاجئين من سياسيين وعلماء  وحتى الأشخاص العاديين، فتحولت الإمارة المروانية لأرض لجوء(Land of refuge) بكل ما يحمل المصطلح من معنى، حيث وفرت سلطات الإمارة لهؤلاء اللاجئين كل أسباب الرعاية وكرم الضيافة، ليس ذلك فحسب بل سمح لهم بتولي المناصب العليا في الإمارة، بحيث أصبح بعضهم وزراء لعل أبرزهم الوزير الأديب ابا القاسم المغربي.

وبذلك تكون الإمارة المروانية الكردية أسبق بما يزيد على تسع قرون في التأسيس لحق اللجوء كحق انساني وفوق ذلك إقرار "مبدأ عدم الإعادة القصرية" لللاجئين إلى أوطانهم في حالة الخطر على حياتهم والذي لم يتم إقراره إلا عام 1951، واعتبار أرض الإمارة أرض لجوء، قبل فرنسا، التي لم تدع هذه الصفة وتفاخر بها غيرها من البلدان، وخاصة الأوروبية، إلا بعد ما يسمى الثورة الفرنسية عام 1789.

ومن جهة أخرى بذل هذا الأمير جهودا مضنية في إرساء مبدأ التعايش السلمي بين الدول ونبذ الصراعات والحروب والدعوة إلى حل الخلافات مهما كانت معقدة بالطرق السلمية وعن طريق الحوار وتوقيع معاهدات عدم الاعتداء وحسن الجوار.

بعد كل هذا، ألا يستحق هذا الأمير أن نطلق عليه لقب راعي العمل الإنساني والخيري والتعايش السلمي، وعلى إمارته صفة أرض اللجوء الإنساني والتعايش السلمي؟ بكل موضوعية، بالنظر للأوضاع السائدة في هذه الفترة، يستحق الأمير اللقب عن جدارة وتستحق الإمارة الوصف بلا منازع.

خامسا: المصادر و المراجع:

- ابن الأثير، أبو الحسن عز الدين علي بن أبي الكرم محمد الجزري الشيباني، الكامل في التاريخ، طبعة دار الكتاب العربي، بيروت، ط1، 1403هـ/1983.

- جاي س. جودوين-جيل، اتفاقية 1951 المتعلقة بوضع اللاجئين والبرتوكول التابع لها،  United Nations Audiovisal Library of International Law , 2010

- ابن الجوزي، المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، تحقيق محمد عبد القادر عطا، مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1992م..

- ابن كثير عماد الدين، البداية والنهاية، تحقيق عبد الله عبد المحسن التركي، ط1، القاهرة 1419ه/1989.

- المعرفة، نصر الدولة، متوفر على الموقع الإلكتروني: https://www.marefa.org

- محمد عبد الرحمن مسعد الرشيدي، تاريخ آمد وحضارتها من القرن الخامس الهجري إلى القرن السابع الهجري، رسالة ماجستير غير مطبوعة، جامعة الزقازيق، مصر، 2008. 

- مهى قمر الدين، الطيور..أنواعها ومعانيها، مجلة القافلة، ماي-يونيو 2018 ، متوفر على الموقع: qafilah.com

- الشيخ محمد، قيم في الحضارة العربية الإسلامية، الرابطة المحمدية للعلماء، المغرب، متوفر على الموقع : https://www.arrabita.ma/blog

- عاشور مصطفى، "أوقاف المرضى" صفحات الرحمة في الحضارة الإسلامية، متوفر على الموقع: https://islamonline.net

- عبد الرقيب يوسف، الدولة الدوستكية في كردستان الوسطى، مطبعة اللواء، بغداد، ط1، 1972.

- الفارقي، أحمد بن يوسف بن علي بن الأزرق، تاريخ الفارقي ، تحقيق بدوي عبد اللطيف عوض، مراجعة شفيق غربال، المطابع الأميرية، القاهرة،  دار الكتاب اللبناني، بيروت، ط1، 1379هـ/1959.

- قيس عبد اسماعيل، الأمير نصر الدولة أحمد بن مروان ودوره في ازدهار إمارة بني مروان 401-453هـ، مجلة الجامعة العراقية، 5، ج3، 2021.

 

 

الهوامش

      سنستعمل في هذا البحث مصطلح الإمارة دون سواه لأننا نجد أنه الأنسب للمرحلة،  ولم نستعمل مصطلح الدولة،  رغم أن الفارقي استعمله، وذلك أولا لأن الإمارة المروانية جزء لا يتجزأ من الخلافة العباسية وأمراؤها لا ينكرون ذلك، ومن جهة أخرى مصطلح الدولة مصطلح مرتبط أكثر بالعصر الحديث.

1.       [1]   الفارقي، أحمد بن يوسف بن علي بن الأزرق، تاريخ الفارقي ، تحقيق بدوي عبد اللطيف عوض، مراجعة شفيق غربال، المطابع الأميرية، القاهرة، دار الكتاب اللبناني، بيروت، ط1، 1379هـ/1959.

2.       [1]   ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج 9، دار الكتاب العربي، بيروت، ط4، 1403هـ/1983، ص 35.

3.       [1]   نفس المصدر.

4.       [1]   الفارقي، المصدر السابق، ص 173.

5.       [1]   الفارقي، مصدر سابق، ص 173

6.       [1]   نفس المصدر، ص. 177.

7.       [1]   الفارقي، مصدر سابق ص177.

8.       [1]   عبد الرقيب يوسف، الدولة الدوستكية في كردستان الوسطى، ج1، مطبعة اللواء، بغداد، ط1، 1972م.

9.       [1]   قيس عبد اسماعيل، الأمير نصر الدولة أحمد بن مروان ودوره في ازدهار إمارة بنب مروان 401-453هـ، مجلة الجامعة العراقية، 5، ج3، ص446.

10.    [1]   نفس المرجع.

11.    [1]   كان وزيرا في مصر ثم اعتقل و تمكن من اللجوء الى العراق، عند أبيه أبو حسين علي بن الحسين المغربي الذي كان هو الآخر وزيرا في مصر، وبعد فترة توفي الأب. فذهب أبو حسين علي من بغداد الى الموصل عند شرف الدولة قرواش حاكم الموصل ولكنه اعتقل في البداية ثم اطلق سراحه أخيراً فذهب الى ميا فارقين وفي الطريق التقى به بدران شقيق قرواش فأعاده إلى الموصل وأودعه السجن ثم أطلق سراحه  فذهب الى أحمد  بن مروان في ميافارقين، الذي عينه وزيراً لإمارته وجعله الآمر الناهي في الإمارة وأعطاه صلاحيات واسعة ويقال بأنه لا أفهم وأقوى وأعظم من هذا الوزير أو يكون أحد قد سمع بمثله على الإطلاق من بين وزراء العصر ورجالات الدولة، أنظر: الفارقي، المصدر السابق، ص 143 وما يليها.

12.    [1]   الفارقي مصدر سابق، ص ص 149-150

13.    [1]   ابن كثير عماد الدين، البداية والنهاية، تحقيق عبد الله عبد المحسن التركي، ط1، القاهرة 1419ه/1989، 15/784.

14.    [1]   ابن الأثير، مصدر سابق، ص35.

15.    [1]   الفارقي، مرجع سابق، ص 108.

16.    [1]   الفارقي، نفس المرجع، ص154.

17.    [1]   الفارقي، مصدر سابق، ص 154.

18.    [1]   عبد الرقيب يوسف، مرجع سابق، ص232.

19.    [1]   نفس المرجع، ص 233.

20.    [1]   ابن كثير، مصدر سابق، ج15، ص783

21.    [1]   ا بن الجوزي، المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، تحقيق محمد عبد القادر عطا، مصطفى عبد القادر عطا،ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، ج16، 1992م، ص70.

22.    [1] عبد الرقيب يوسف، الدولة الدوستكية...، مرجع سابق، 246.

23.    [1]   نفس المرجع.

24.    [1]   الفارقي، مصدر سابق، ص ص 187-188.

25.    [1]   عبد الرقيب يوسف، الدولة الدوستكية...، مرجع سابق، ص 248.

26.    [1]   الفارقي، مصدر سابق،  ص ص 109-110.

27.    [1]   ابن كثير، مصدر سابق، ص.783.

28.    [1]   الفارقي، مصدر سابق، 154.

29.    [1]   الفارقي، مصدر سابق، ص 144.

30.    [1]   نفس المصدر، ص 145.

31.    [1]   نفس المصدر ، ص ص 129-130

32.    [1]   نفس المصدر ، ص.130.

33.    [1]    أبو الحارث الملقب بالمظفر، ملك الأمراء أرسلان التركي، ينظر: الذهبي شمس الدين، سير أعلام النبلاء، طبعة بيت الأفكار، الطبقة الرابعة والعشرون، ج. 18، ص132.

34.    [1]   نصر الدولة، المعرفة، متوفر على الموقع الإلكتروني: https://www.marefa.org

35.    [1]   الفارقي، مصدر سابق، ص 153 وما يليها.

36.    [1]   الفارقي، مصدر سابق، ص 152.

37.    [1]   محمد عبد الرحمن مسعد الرشيدي، تاريخ آمد وحضارتها من القرن الخامس الهجري إلى القرن السابع الهجري، رسالة ماجستير غير مطبوعة، جامعة الزقازيق، مصر، 2008،  ص 192.

38.    [1]   نفس المرجع، ص.194.

39.    [1]   نفس المرجع.

40.    [1] محمد الرشيدي، المرجع السابق، ص 195.

41.    [1] نفس المرجع.

42.    [1] نفس الرجع، ص 196.

43.    [1]   جاي س. جودوين-جيل، اتفاقية 1951 المتعلقة بوضع اللاجئين والبرتوكول التابع لها،  United Nations Audiovisal Library of International Law , 2010, p.4.

44.    [1]   عبد الرقيب يوسف، الدولة الدوستكية...، مرجع سابق،222 .

45.    [1]   محمد الرشيدي، تاريخ آمد... مرجع سابق، مرجع سابق، ص 173.

46.    [1]   نفس المرجع، ص 170.

47.    [1] الشيخ محمد، قيم في الحضارة العربية الإسلامية، الرابطة المحمدية للعلماء، المغرب، متوفر على الموقع : https://www.arrabita.ma/blog

48.    [1]   نفس المرجع.

49.    [1]   المعرفة، نصر الدولة، المرجع السابق.

50.    [1]   مهى قمر الدين، الطيور.. أنواعها ومعانيها، مجلة القافلة، ماي-يونيو 2018 ، متوفر على الموقع:qafilah.com https://

51.    [1]   عاشور مصطفى، "أوقاف المرضى" صفحات الرحمة في الحضارة الإسلامية، متوفر على الموقع: https://islamonline.net

52.    [1]   نفس المرجع

53.    [1]   مهى قمر الدين، الطيور..، مرجع سابق.

54.    [1]   الفارقي، مصدر سابق، ص 152.


 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Mîr Ehmed Bin Merwan, pêşengê avakirina xebatên mirovahî li Mîrnişîna Merwanî ya Kurd

Berhevkirinî:

Mîr Nasir El-Dewle Ehmed ibn Merwan (401-453 hicrî / 1010-1061) yek ji mîrên herî navdar e ku li pey hev mîrnişîniya Merwaniyan hukum kiriye. Desthilatdariya wî bi siyasetek mirovahî ya pêşkeftî bû ku di yekkirina mafê penaberiyê de tê temsîl kirin, ji ber ku wî deriyê Îmaratê ji pêşwazîkirina kesên biyanî (penaberan) re vekir, pêşwaziya wan kir, jiyanek minasib ji wan re peyda kir û rewşa her yek ji wan wan, û bi ser de jî soza ku ew bi tu awayî wan nedin destê lêgerên xwe, heta ku bajarên Îmaratê bi taybetî demdirêj û ji hev cuda nebin

Derbarê penaberan de, em dibînin ku Emîre daxwaza radestkirina wan, çi dibe bila bibe, red dike û bi vî awayî prensîba nevegerandina penaberan, ku tenê di Peymana 1951-an de, ango piştî zêdetirî 900-an, hatiye cîbicîkirin. salan. Mijareke girîng a Mîr Merwanî heye, ew jî dilgiraniya wî ye ji bo pêşxistina siyaseta cîrantiya baş, ne destwerdana di karûbarên navxweyî yên dewletan de û çareserkirina nakokiyan bi rêyên aştiyane.

Peyrén sereke : Mîrnişîna Merwaniyan - Mîr Ehmed Bin Merwan - Karê Mirovî - Penaber - Cîrantiya Baş - Hevjiyana Aştiyane

 

 

 

Prince ahmed bin marwan, the pioneer of the establishment of humanitarian action in the kurdish marwanide emirate

ABSTRACT :

Prince Nasir al-Dawla Ahmad ibn Marwan (401-453 AH / 1010-1061) is considered one of the most famous princes who successively ruled the Marwanide emirate. His policy was characterized by an advanced humanitarian policy represented in the consolidation of the right to asylum, as he opened the door of the Emirate to receive strangers (refugees), welcoming them, providing a decent living for them and the status of each one of them, and on top of that a pledge not to hand them over to their seekers in any way, until the cities of the Emirate became especially long-term and separated. A safe haven for those who include the king, the prince, the minister, the scholar, the seeker of knowledge and the merchant. With regard to the refugees, we find that the Emir refuses the request for their extradition, whatever the reason, and thus establishes the principle of “non-extradition of refugees”, which was only implemented in the 1951 Convention, that is, after more than 900 years. There is an important issue that counts for this prince, which is his keenness to promote the policy of good neighborliness, non-interference in the internal affairs of countries, and to resolve differences by peaceful means.

 KEYWORDS : The Marwanid Emirate - Prince Ahmed bin Marwan - Humanitarian Work - Refugees - Good Neighborhood - Peaceful Coexistence

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


Mîr Ehmed Bin Merwan, pêşengê avakirina xebatên mirovahî li Mîrnişîna Merwanî ya Kurd

 

Berhevkirinî:

Mîr Nasir El-Dewle Ehmed ibn Merwan (401-453 hicrî / 1010-1061) yek ji mîrên herî navdar e ku li pey hev mîrnişîniya Merwaniyan hukum kiriye. Desthilatdariya wî bi siyasetek mirovahî ya pêşkeftî bû ku di yekkirina mafê penaberiyê de tê temsîl kirin, ji ber ku wî deriyê Îmaratê ji pêşwazîkirina kesên biyanî (penaberan) re vekir, pêşwaziya wan kir, jiyanek minasib ji wan re peyda kir û rewşa her yek ji wan wan, û bi ser de jî soza ku ew bi tu awayî wan nedin destê lêgerên xwe, heta ku bajarên Îmaratê bi taybetî demdirêj û ji hev cuda nebin

Derbarê penaberan de, em dibînin ku Emîre daxwaza radestkirina wan, çi dibe bila bibe, red dike û bi vî awayî prensîba nevegerandina penaberan, ku tenê di Peymana 1951-an de, ango piştî zêdetirî 900-an, hatiye cîbicîkirin. salan. Mijareke girîng a Mîr Merwanî heye, ew jî dilgiraniya wî ye ji bo pêşxistina siyaseta cîrantiya baş, ne destwerdana di karûbarên navxweyî yên dewletan de û çareserkirina nakokiyan bi rêyên aştiyane.

 

Peyrén sereke : Mîrnişîna Merwaniyan - Mîr Ehmed Bin Merwan - Karê Mirovî - Penaber - Cîrantiya Baş - Hevjiyana Aştiyane

 

Prince Ahmed bin Marwan, the pioneer of the establishment of humanitarian action in the Kurdish Marwanide Emirate

 

Abstract :

Prince Nasir al-Dawla Ahmad ibn Marwan (401-453 AH / 1010-1061) is considered one of the most famous princes who successively ruled the Marwanide emirate. His policy was characterized by an advanced humanitarian policy represented in the consolidation of the right to asylum, as he opened the door of the Emirate to receive strangers (refugees), welcoming them, providing a decent living for them and the status of each one of them, and on top of that a pledge not to hand them over to their seekers in any way, until the cities of the Emirate became especially long-term and separated. A safe haven for those who include the king, the prince, the minister, the scholar, the seeker of knowledge and the merchant.

With regard to the refugees, we find that the Emir refuses the request for their extradition, whatever the reason, and thus establishes the principle of “non-extradition of refugees”, which was only implemented in the 1951 Convention, that is, after more than 900 years.

 There is an important issue that counts for this prince, which is his keenness to promote the policy of good neighborliness, non-interference in the internal affairs of countries, and to resolve differences by peaceful means.

 

Key Words : The Marwanid Emirate - Prince Ahmed bin Marwan - Humanitarian Work - Refugees - Good Neighborhood - Peaceful Coexistence

 



* الباحث المسؤل.

This is an open access under a CC BY-NC-SA 4.0 license (https://creativecommons.org/licenses/by-nc-sa/4.0/)

 



[1]     سنستعمل في هذا البحث مصطلح الإمارة دون سواه لأننا نجد أنه الأنسب للمرحلة،  ولم نستعمل مصطلح الدولة،  رغم أن الفارقي استعمله، وذلك أولا لأن الإمارة المروانية جزء لا يتجزأ من الخلافة العباسية وأمراؤها لا ينكرون ذلك، ومن جهة أخرى مصطلح الدولة مصطلح مرتبط أكثر بالعصر الحديث.

[2]    الفارقي، أحمد بن يوسف بن علي بن الأزرق، تاريخ الفارقي ، تحقيق بدوي عبد اللطيف عوض، مراجعة شفيق غربال، المطابع الأميرية، القاهرة، دار الكتاب اللبناني، بيروت، ط1، 1379هـ/1959.

[3]    ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج 9، دار الكتاب العربي، بيروت، ط4، 1403هـ/1983، ص 35.

[4]    نفس المصدر.

[5]    الفارقي، المصدر السابق، ص 173.

[6]    الفارقي، مصدر سابق، ص 173

[7]    نفس المصدر، ص. 177.

[8]    الفارقي، مصدر سابق ص177.

[9]    عبد الرقيب يوسف، الدولة الدوستكية في كردستان الوسطى، ج1، مطبعة اللواء، بغداد، ط1، 1972م.

[10]    قيس عبد اسماعيل، الأمير نصر الدولة أحمد بن مروان ودوره في ازدهار إمارة بنب مروان 401-453هـ، مجلة الجامعة العراقية، 5، ج3، ص446.

[11]    نفس المرجع.

[12]    كان وزيرا في مصر ثم اعتقل و تمكن من اللجوء الى العراق، عند أبيه أبو حسين علي بن الحسين المغربي الذي كان هو الآخر وزيرا في مصر، وبعد فترة توفي الأب. فذهب أبو حسين علي من بغداد الى الموصل عند شرف الدولة قرواش حاكم الموصل ولكنه اعتقل في البداية ثم اطلق سراحه أخيراً فذهب الى ميا فارقين وفي الطريق التقى به بدران شقيق قرواش فأعاده إلى الموصل وأودعه السجن ثم أطلق سراحه  فذهب الى أحمد  بن مروان في ميافارقين، الذي عينه وزيراً لإمارته وجعله الآمر الناهي في الإمارة وأعطاه صلاحيات واسعة ويقال بأنه لا أفهم وأقوى وأعظم من هذا الوزير أو يكون أحد قد سمع بمثله على الإطلاق من بين وزراء العصر ورجالات الدولة، أنظر: الفارقي، المصدر السابق، ص 143 وما يليها.

[13]    الفارقي مصدر سابق، ص ص 149-150

[14]    ابن كثير عماد الدين، البداية والنهاية، تحقيق عبد الله عبد المحسن التركي، ط1، القاهرة 1419ه/1989، 15/784.

[15]   ابن الأثير، مصدر سابق، ص35.

[16]   الفارقي، مرجع سابق، ص 108.

[17]   الفارقي، نفس المرجع، ص154.

[18]   الفارقي، مصدر سابق، ص 154.

[19]   عبد الرقيب يوسف، مرجع سابق، ص232.

[20]   نفس المرجع، ص 233.

[21]   ابن كثير، مصدر سابق، ج15، ص783

[22]    ا بن الجوزي، المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، تحقيق محمد عبد القادر عطا، مصطفى عبد القادر عطا،ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، ج16، 1992م، ص70.

[23]   عبد الرقيب يوسف، الدولة الدوستكية...، مرجع سابق، 246.

[24]    نفس المرجع.

[25]    الفارقي، مصدر سابق، ص ص 187-188.

[26]    عبد الرقيب يوسف، الدولة الدوستكية...، مرجع سابق، ص 248.

[27]   الفارقي، مصدر سابق،  ص ص 109-110.

[28]    ابن كثير، مصدر سابق، ص.783.

[29]    الفارقي، مصدر سابق، 154.

[30]    الفارقي، مصدر سابق، ص 144.

[31]    نفس المصدر، ص 145.

[32]    نفس المصدر ، ص ص 129-130

[33]    نفس المصدر ، ص.130.

[34]     أبو الحارث الملقب بالمظفر، ملك الأمراء أرسلان التركي، ينظر: الذهبي شمس الدين، سير أعلام النبلاء، طبعة بيت الأفكار، الطبقة الرابعة والعشرون، ج. 18، ص132.

[35]    نصر الدولة، المعرفة، متوفر على الموقع الإلكتروني: https://www.marefa.org

[36]    الفارقي، مصدر سابق، ص 153 وما يليها.

[37]    الفارقي، مصدر سابق، ص 152.

[38]    محمد عبد الرحمن مسعد الرشيدي، تاريخ آمد وحضارتها من القرن الخامس الهجري إلى القرن السابع الهجري، رسالة ماجستير غير مطبوعة، جامعة الزقازيق، مصر، 2008،  ص 192.

[39]    نفس المرجع، ص.194.

[40]    نفس المرجع.

[41]   محمد الرشيدي، المرجع السابق، ص 195.

[42]   نفس المرجع.

[43]   نفس الرجع، ص 196.

[44]    جاي س. جودوين-جيل، اتفاقية 1951 المتعلقة بوضع اللاجئين والبرتوكول التابع لها،  United Nations Audiovisal Library of International Law , 2010, p.4.

[45]   عبد الرقيب يوسف، الدولة الدوستكية...، مرجع سابق،222 .

[46]   محمد الرشيدي، تاريخ آمد... مرجع سابق، مرجع سابق، ص 173.

[47]   نفس المرجع، ص 170.

[48]   الشيخ محمد، قيم في الحضارة العربية الإسلامية، الرابطة المحمدية للعلماء، المغرب، متوفر على الموقع : https://www.arrabita.ma/blog

[49]    نفس المرجع.

[50]    المعرفة، نصر الدولة، المرجع السابق.

[51]    مهى قمر الدين، الطيور.. أنواعها ومعانيها، مجلة القافلة، ماي-يونيو 2018 ، متوفر على الموقع:qafilah.com https://

[52]    عاشور مصطفى، "أوقاف المرضى" صفحات الرحمة في الحضارة الإسلامية، متوفر على الموقع: https://islamonline.net

[53]    نفس المرجع

[54]   مهى قمر الدين، الطيور..، مرجع سابق.

[55]    الفارقي، مصدر سابق، ص 152.