مكانة إقليم كوردستان-العراق في إستراتيجية الولايات المتحدة الامريكية: العراق كدراسة حالة (2003-2021)

سعود حسن سلطان 1*  و عمران عمر علي 2

1 قسم العلوم السياسية، كلية القانون، جامعة دهوك، إقلیم کردستان-العراق. (saudhassan79911@gmail.com)

2 قسم النظم السياسية والسياسات العامة، كلية العلوم السياسية، جامعة دهوك، إقلیم کردستان-العراق. (omran.ali@uod.ac)

تاريخ الاستلام: 10/2023             تاريخ القبول: 03/2024    تاريخ النشر: 06/2024  https://doi.org/10.26436/hjuoz.2024.12.2.1321

الملخص:

تسعى هذه الدراسة إلى بيان وتحليل مكانة إقليم كوردستان – العراق في إستراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط بشكل عام، والعراق بشكل خاص في الفترة ما بين 2003 و2021.  وللقيام بذلك، تجري الدراسة تحليلاً للأهداف الاستراتيجية للولايات المتحدة تجاه العراق منذ 2003، وبالأخص فيما يتعلق بنشر الديمقراطية وتحويل العراق من دولة دكتاتورية الى دولة ديمقراطية، وكذلك فيما يتعلق بالحرب على الارهاب والقضاء عليه في العراق، خاصة منذ ظهور تنظيم الدولة الاسلامية في العراق في 2014.  وتسعى الدراسة بالأخص للبحث الى أي مدى يحتل إقليم كوردستان – العراق مكانة ثابتة في الاستراتيجية الأمريكية، ومدى دورها في تحقيق اهدافها الاستراتيجية في العراق. تناقش هذه الدراسة بأن اقليم كوردستان – العراق منذ 2003 لعب دورا اساسيا في تحقيق الاهداف الاستراتيجية الأمريكية في العراق، سواء فيما يتعلق بالقضاء على النظام الدكتاتوري وهدفها في نشر الديمقراطية، أو فيما يتعلق بحربها على الارهاب والقضاء عليه خاصة تنظيم الدولة الاسلامية.  من خلال البحث عن الاهداف الاستراتيجية الامريكية في العراق ودور إقليم كوردستان في تحقيق تلك الاهداف، تستنتج هذه الدراسة أنه بالرغم من كون الأقليم ليس فاعلاً من غير الدول إلا أنه احتل مكانة متميزة في استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية تجاه العراق، ناهيك عن دور الاقليم كفاعل مهم في تحقيق الاهداف الاستراتيجية الامريكية المتمثلة بنشر الديمقراطية ومحاربة الإرهاب. ولكن بالرغم من ذلك، لا نستطيع الجزم أنّ هذه المكانة ثابتة ومستمرة، حيث الظروف السياسية والامنية الداخلية والاقليمية ساهمت بشكل كبير بجعل إقليم كوردستان -العراق يحتل هذه المكانة المتميزة. بالإضافة الى أن استمرارية هذه المكانة مرهونة بالمصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية في العراق بشكل خاص وفي المنطقة بشكل عام.  

الكلمات الدالة: الديمقراطية، مكافحة الإرهاب، الإستراتيجية، إقليم كوردستان، العراق، الولايات المتحدة الامريكية.


المقدمة

يحتل الشرق الأوسط عموماً والعراق خصوصاً مكانة مهمة في الاستراتيجية الأمريكية، وعلى مدى عقود كثيرة مضت تعددت الاستراتيجيات الامريكية واهدافها تجاه الشرق الأوسط والعراق. قد تتغير اهداف الولايات المتحدة من إدارة لأخرى وقد تتغير وسائلها لتحقيق ذلك الاهداف، ولكن لطالما احتل الشرق الأوسط مكانة ومصالح مستمرة في الاستراتيجيات الامريكية. بما انه من الصعب جدا دراسة الاستراتيجية الامريكية واهدافها تجاه كل الشرق الأوسط في دراسة مصغرة، ستركز هذه الدراسة على العراق كجزء استراتيجي مهم في الشرق الأوسط من جهة، وكجزء مهم في الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط من جهة ثانية. وإقليم كوردستان-العراق خصوصاً في الإستراتيجية الأمريكية من جهة ثالثة.

ومنذ انهيار الاتحاد السوفييتي السابق وانهاء حرب الخليج الثانية في 1991 كانت احدى الاهداف الاستراتيجية الرئيسة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط بشكل عام هو نشر الديمقراطية وقيمها في المنطقة كمسلك رئيسي لتحقيق السلام الاقليمي وكذلك السلام الدولي. وفي العراق، خاصة منذ حرب 2003، كان هذا الهدف واضحا في الاستراتيجية الامريكية، حيث القضاء على النظام الدكتاتوري في العراق ستمهد الطريق لنشر الدمقراطية ليس في العراق فقط ولكن في دول المنطقة ايضاً. ومنذ الهجمات الارهابية ضد امريكا في 11 سبتمبر 2001، باتت الحرب على الارهاب والقضاء عليه من الاهداف الاستراتيجية الرئيسية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط وفي العراق، وخاصة بعد الافعال الارهابية لتنظيم الدولة الاسلامية، خاصة في العراق وفي سوريا، في 2014. لذلك، ستركز هذه الدراسة على هذين الهدفين الاستراتيجيين للولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط بشكل عام، وفي العراق بشكل خاص. وستركز هذه الدراسة، بشكل أخص، على مكانة إقليم كوردستان – العراق في الاستراتيجية الامريكية واهدافها الاستراتيجية في العراق بين عام 2003 وبين عام 2021، منطلقا التساؤل الرئيسي لهذا البحث: إلى أي مدى يحتل إقليم كوردستان-العراق مكانة ثابتة في الاستراتيجية الأمريكية؟

إن اهمية ومكانة العراق لم يكن بمنأى عن الاستراتيجية الامريكية في الشرق الأوسط، بل احتل العراق دوماً، وخاصة منذ ثمانينات القرن العشرين، وخاصة في الحرب العراقية الايرانية (1982-1988) أهمية خاصة في الاستراتيجية الامريكية في الشرق الأوسط. وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي السابق أصبح العراق منطقة نفوذ رئيسية للولايات المتحدة. ومنذ ذلك الوقت، تنوعت الاهداف الاستراتيجية الامريكية تجاه العراق، ولكن بعد 2003 تمركزت الاهداف الامريكية في تغير النظام الدكتاتوري في العراق ونشر الديمقراطية فيها وكذلك على القضاء على الارهاب والجماعات الارهابية، خاصة تنظيم القاعدة والدولة الاسلامية.

إشكالية الدراسة: إن الاهداف الاستراتيجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط بشكل عام والعراق بشكل خاص، وكذلك تجاه الفاعلين، سواء الدول ومن غير الدول، ومن ضمنهم اقليم كوردستان – العراق كفاعل من غير الدول، قد تتغير بتغيير الظروف والمصالح ولأسباب متنوعة. ولكن اشكالية هذه الدراسة لا تتمحور حول تغيير واسباب تغيير السياسة الامريكية واهدافها تجاه العراق أو اقليم كوردستان – العراق، وانما تتمحور حول مكانة وموقع إقليم كوردستان - العراق في الاستراتيجية الامريكية وفي اهدافها الاستراتيجية تجاه العراق منذ 2003، وهل يتمتع الاقليم بمكانة في الاستراتيجية والى اي مدى هذه المكانة ثابتة. ومن هذا المنطلق، ستحاول هذه الدراسة الإجابة على التساؤل الرئيسي التالي: الى أي مدى يتمتع إقليم كوردستان-العراق بمكانة ثابتة في الاستراتيجية الامريكية في الشرق الأوسط بشكل عام، وفي العراق بشكل خاص؟

منهجية البحث: اتبعت هذه الدراسة المنهج الوصفي التحليلي للوصول الى فهم شامل للاستراتيجية الامريكية في الشرق الأوسط عموما، والعراق بشكل خاص، وكذلك مكانة إقليم كوردستان – العراق في هذه الاستراتيجية. وتتبنى هذه الدراسة دراسة حالة مكانة إقليم كوردستان – العراق في الاستراتيجية الامريكية في الفترة بين 2003 و2021. بالاعتماد على مجموعة واسعة من البيانات والشرح المكثف لحالة واحدة، تهدف هذه الدراسة الى فهم أفضل لمكانة إقليم كوردستان-العراق في الإستراتيجية الامريكية. بالإضافة إلى ذلك، اعتمدنا على مقابلات مع مسؤولين عسكريين وسياسيين في إقليم كوردستان-العراق، (انظر الملحق الأول لقائمة المقابلات التي اجريت).

أهداف الدراسة: إن الهدف الرئيسي لهذه الدراسة هو بيان مكانة إقليم كوردستان - العراق في الاستراتيجية الامريكية، ودور الاقليم في تحقيق الاهداف الاستراتيجية للولايات المتحدة في العراق، تحديدا فيما يتعلق بالقضاء على النظام الدكتاتوري ونشر الديمقراطية وكذلك القضاء على الارهاب والجماعات الارهابية. بالإضافة الى ذلك، تهدف هذه الدراسة الى بيان الاسباب والعوامل التي ادت الى التقارب الأمريكي – الكوردي، ومكنت الاقليم من لعب دور مهم سواء في الاستراتيجية الامريكية تجاه العراق، أو في التحالف الدولي ضد الارهاب. وأخيرا، تهدف الدراسة الى توفير فهم متعمق للإستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط والعراق ومكانة الاقليم في هذه الاستراتيجية.

هيكلية البحث:

بالإضافة الى هذه المقدمة، تتكون هذا البحث من مبحثين رئيسيين، فضلاً عن الخاتمة.

المبحث الأول: الإستراتيجية الأمريكية في نشر الديمقراطية في العراق بعد عام 2003

      المطلب الأول: الهدف الاستراتيجي للولايات المتحدة في نشر الديمقراطية في العراق بعد عام 2003.

      المطلب الثاني: تفاعل الولايات المتحدة الأمريكية مع إقليم كوردستان-العراق بعد عام 2003.

      المطلب الثالث: دور إقليم كوردستان - العراق في نشر الديمقراطية في العراق بعد عام 2003.

المبحث الثاني: مكانة إقليم كوردستان-العراق في الإٍستراتيجية الأمريكية بشأن مكافحة الإرهاب بعد عام 2014

       المطلب الأول: دور إقليم كوردستان-العراق في الحرب على الإرهاب بعد عام 2014

      المطلب الثاني: العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة، والدول الأخرى، وبين إقليم كوردستان- العراق بعد عام 2014

المبحث الأول: الإستراتيجية الأمريكية في نشر الديمقراطية في العراق بعد 2003

يتناول هذا المبحث الهدف الاستراتيجي للولايات المتحدة في نشر الديمقراطية في العراق، وكذلك مكانة إقليم كوردستان في هذه الاستراتيجية الأمريكية من خلال ثلاثة مطالب الرئيسية. يتناول المطلب الأول الهدف الاستراتيجي للولايات المتحدة في نشر الديمقراطية في العراق بعد عام2003. ويتناول المطلب الثاني تفاعل الولايات المتحدة الأمريكية مع إقليم كوردستان-العراق بعد 2003. اما المطلب الثالث فيتناول دور إقليم كوردستان - العراق في نشر الديمقراطية في العراق بعد عام 2003.

المطلب الأول: الهدف الاستراتيجي للولايات المتحدة في نشر الديمقراطية في العراق بعد عام2003

 بعد نهاية الحرب الباردة وتراجع النموذج الاشتراكي الشيوعي بانهيار الاتحاد السوفييتي السابق وانتصار النموذج الديمقراطي والرأسمالي الذي كانت تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، ساد الاعتقاد بين الأوساط السياسية في الولايات المتحدة، وخاصة في إدارة الرئيس الأمريكي بوش الابن بأن الحرية والديمقراطية يمكن أن تزدهر في منطقة الشرق الأوسط. وخاصة كان هناك أمثلة تاريخية تؤكد على ذلك، عندما ساعد أمريكا اليابان وألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية في عملية التحول الديمقراطي وتحقيق السلام في آسيا وأوروبا، رغم أن هذه الدول كانت تعاني من الصراعات والحروب لفترات طويلة The White House, 2009, p. 11)).

وبعد أن أطاح غزو الحلفاء الذي قادته الولايات المتحدة للعراق عام 2003، بالدكتاتور العراقي صدام حسين، وعدت أمريكا بتصدير الديمقراطية إلى بلد شكل تاريخه الشمولية والقمع السياسي والثقافي. لقد بررت الادارة الأمريكية غزو العراق لأهداف متنوعة، وكان نشر القيم الديمقراطية وإضفاء الطابع الديمقراطي على البلاد وإحداث الاصلاح السياسي في المنطقة من احدى أهم هذه الأهداف. وفي الوقت ذاته، أكد الرئيس الامريكي بوش الابن أنه طالما أن الشرق الأوسط، ومن ضمنه العراق، يبقى مكانا لا تزدهر فيه الحرية، سيبقى مكانا للركود والتطرف والارهاب  (علي ع.، 2021، صفحة 240). كما أكدت وثيقة استراتيجية الأمن القومي الأمريكي في عهد بوش، إن تعزيز الديمقراطية هو الإجراء الأكثر فعالية على المدى الطويل لتعزيز الاستقرار والأمن الدولي، والحد من النزاعات الإقليمية، بالإضافة إلى الحد من التطرف والارهاب وبالتالي تحقيق الازدهار وبسط السلام. بالإضافة الى أن الديمقراطية هي الوسيلة الأكثر فعال في حماية أمن امريكا واحترام قيمها، لذلك، تسعى الولايات المتحدة إلى توسيع نطاق الحرية في جميع أنحاء العالم، من خلال قيادة الجهد الدولي لإنهاء الاستبداد وتعزيز الديمقراطية بدلاً من ذلك (Bush, 2006, p. 3). بالإضافة إلى ذلك، اكدت استراتيجية الامن القومي الأمريكي بأن الولايات المتحدة مستعدة لاستخدام كافة الوسائل في سبيل إنهاء الاستبداد وتعزيز الديمقراطية، بما في ذلك الوسائل العسكرية. وبالفعل استخدمت الولايات المتحدة القوة العسكرية في العراق عام 2003 لتغيير النظام الدكتاتوري في العراق. وكان الاعتقاد السائد في الاستراتيجية الأمريكية بأن نجاح الديمقراطية في العراق سيكون منصة انطلاق لنشر قيم الديمقراطية في جميع دول الشرق الأوسط التي كانت تعاني على مدى عقود من الركود السياسي والاقتصادي وبالتالي من انعدام الامن والاستقرار (Bush, 2006, p. 13).

ففي 26 شباط 2003 ألقى بوش الابن خطاباً في معهد أمريكان انتربرايز، أكد فيه بأن الولايات المتحدة لا تضرب العراق وتدخل فيها فقط من أجل نزع سلاح صدام حسين، وإنما أيضاً من أجل تحويل العراق إلى دولة مزدهرة وديمقراطية حقيقية ومستقرة، ومثالاً يحتذى به في الشرق الأوسط، ويمكن أن يكون مثالاً جيدا للدول الأخرى في المنطقة، ثم أشار إلى التجربة التاريخية الأمريكية في تحويل ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية إلى دول ديمقراطية (علي م.، 2018، الصفحات 36-37: Bush, 2003). وأضاف بأن "هناك خمس خطوات في خطتنا لمساعدة العراق على تحقيق الديمقراطية والحرية، سنسلم السلطة إلى حكومة عراقية ذات سيادة، ونساعدها في إرساء الأمن، ونواصل إعادة بناء البنية التحتية، ونشجع المزيد من الدعم الدولي، ونتحرك نحو انتخابات وطنية من شأنها أن تأتي بقادة جدد يعملون على تمكين الشعب العراقي" (Bush, 2004). من هذا المنطلق، ان حرب الولايات المتحدة في العراق لم تكن فقط حربا على الإرهاب فقط، وانما استراتيجية لترسيخ ونشر مفاهيم وقيم الديمقراطية، وكان العراق بمثابة نقطة البداية لعملية التغيير الثقافي والديمقراطي في المنطقة بأكملها. وفي هذا الصدد أشارت وزيرة الخارجية الأمريكية (كونداليزا رايس)، بالقول: "مثلما تحولت ألمانيا إلى حجر الزاوية لأوروبا فيما يتعلق بضمان عدم شن الحرب، فإن عراقاً مختلفاً سيصبح نوعاً من حجر الزاوية لشرق أوسط مختلف، لن تظهر فيه أيديولوجيات الكراهية ومعاداة للأيديولوجيا الأمريكية". هذا وتابع مسؤول رفيع المستوى في الإدارة الأمريكية قائلاً "إنَّ الهدف الأعظم لأمريكا بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 هو انتشار قيمنا وأفكارنا، إن قيمنا وأممنا متداخلة، كما كانت في أوروبا، ولكنها مرتبطة بالشرق الأوسط أيضاً"، كما أشار الرئيس الأمريكي إلى ان تحويل العراق إلى دولة ديمقراطية سلمية في الشرق الأوسط امر في غاية الأهمية لاستقرار المنطقة وتعزيز مصالح الامن القومي للولايات المتحدة الأمريكية فيها  (العلوجي، 2009، صفحة 19).

المطلب الثاني: تفاعل الولايات المتحدة الأمريكية مع إقليم كوردستان-العراق بعد عام 2003

بداية من المهم الاشارة إلى ان التجربة الديمقراطية والحكم الذاتي في كوردستان العراق قد بدأت قبل عام 2003، حيث شكلت الهجرة الجماعية للكورد عقب الانتفاضة الشعبية ضد النظام العراقي السابق في أواخر شهر آذار 1991، منعطفاً تاريخياً للكورد في العراق (شرف، 2019، صفحة 78).  ففي 5 أبريل 1991، اتخذ مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القرار 688 في رد فعله الانساني السريع والهام على فرار قرابة مليوني كوردي إلى تركيا وإيران بسبب الفظائع التي سببها القمع العراقي (UNSC, 1991). أعطى هذا القرار السلطة القانونية للدول الأخرى للتدخل في العراق لأغراض إنسانية. ونتيجة لذلك، أرسلت الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى وفرنسا قوات مسلحة لإنشاء مناطق أمنة للكورد في شمال العراق حيث يمكن لوكالات المساعدة الإنسانية العمل بإمان، بالرغم من معارضة العراق بشدة هذه الأعمال باعتبارها انتهاكًا غير مبرر لسيادة الدولة (Gallant, 1991, p. 881-882; Webinger, 2015). ومع ذلك، طالب القرار العراق بوضع حد فوري لقمع الكورد والشيعة وأصر على أن يسمح العراق للمنظمات الإنسانية الدولية بالوصول لمساعدة المحتاجين UNSC,) (1991.

بالإضافة إلى ذلك، نص هذا القرار على أن المنطقة فوق خط العرض 36 والتي تشمل كلاً من أربيل والموصل وزاخو ودهوك هي منطقة حظر طيران، أي منع الطائرات العراقية من التحليق فوق خط العرض وخلافاً بذلك ستكون عرضة للإسقاط. كان هذا قرارًا تاريخيًا لأنها كانت المرة الأولى التي يُذكر فيها الكورد كتسمية في الأمم المتحدة (Mohammed, 2013, p. 109). هذا الوضع الجديد مهد الطريق امام الكورد للتفاعل مباشرة مع القوى العظمى على أساس المصالح المتبادلة، وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا. وكذلك اعطت الفرصة السانحة للقيادات الكوردية لبناء حكم ذاتي، قائم على المؤسسات والقيم الديمقراطية (شرف، 2019، صفحة 78). وبالفعل، تم اجراء أول عملية انتخابية في كوردستان العراق في 19/5/1992، وتم تأسيس أول برلمان وحكومة كوردية (موقع برلمان كوردستان-العراق، 1992). لذلك، في فترة تسعينات القرن العشرين، شهد الإقليم تجربة ديمقراطية فتية واستقرارا نسبياً، عدا فترة الاقتتال الداخلي بين الحزبين الرئيسيين، الحزب الديمقراطي الكوردستاني والأتحاد الوطني الكوردستاني، في 1994-1998.

ولأهمية استقرار كوردستان للولايات المتحدة، لعبت الاخيرة دورا بارزا في انهاء الصراع بين الحزبين الرئيسيين، حيث دعت وزيرة الخارجية الأمريكية مادلين أولبرايت كلا من السيد مسعود البارزاني والسيد جلال الطالباني إلى واشنطن في 17 أيلول 1998، وتم التصالح بينهما لانهاء الصراع وفتح فصل جديد. وأشارت أولبرايت إلى ان هذا التصالح سيسهل على الولايات المتحدة والحلفاء طريقها نحو تحقيق أهدافهم في العراق (U.S. Department of State, 1998). وأكد مسؤول رفيع المستوى في كوردستان العراق بأن هذه الاتفاقية كانت جزأً من الاستراتيجية الأمريكية لترتيب الأوضاع في كوردستان العراق وتوحيد قواتها من أجل ان تجعل من هذا الإقليم ليس فقط أرضية مهيئة لتجميع المعارضة العراقية فيها، بل كموطئ قدم أمريكي للعراق في المستقبل (مقابلة مع مسؤول سياسي كوردستاني، 8\1\2023). بالإضافة إلى ذلك، اتســع نطاق المجتمع المدني إلى حد كبير في ظل الحكم الذاتي بين عامي 1992 و2003، حيث تم تأســيس نقابات مهنية ومنظمــات حقوق الانسان بشكل عام واخرى خاصة للمرأة، وازدهر الاعلام بشكل غير مسبوق (Davis, 2005, p. 5)، بالإضافة إلى حيز كبير من التعايش السلمي بين كافة مكونات المجتمع الكوردي (مقابلة مسؤول سياسي كوردستاني، 12\1\2023). وبعد الاحتلال الأمريكي للعراق في عام 2003، شارك الكورد كعامل فعال في العملية الديمقراطية في العراق، وخاصة في انتخابات مجلس النواب العراقي وانتخابات مجالس المحافظات منذ 2005 (موقع برلمان كوردستان-العراق، 2005).

ولذلك، قد يكون العامل الديمقراطي من العوامل المهمة التي عززت العلاقات بين كوردستان العراق والولايات المتحدة والدول الغربية بشكل عام، إذ رأى البعض في إدارة الرئيس الأمريكي بوش الابن أن كوردستان العراق يمكن أن يكون نموذجًا لنشر الديمقراطية في الشرق الأوسط. وفي هذا الصدد، تذكر الباحثة الأمريكية أوريلي أن كوردستان العراق يمثل: "بوتقة للديمقراطية ونموذجاً لعراق ما بعد صدام"  (علي ع.، 2017، الصفحات 41-42). وكما بينا سابقا، ركزت الاستراتيجية الأمريكية قبل عام 2003 على إسقاط النظام الدكتاتوري في العراق آنذاك والمتمثل بحزب البعث، ومن ثم العمل على بناء دولة ديمقراطية بدلاً عن الدكتاتورية، ومنع العراق من تقديم المساعدات إلى المجموعات الإرهابية، وتعزيز السلم والاستقرار في العراق والمنطقة بشكل عام، وبالتالي ضمان عدم تكرار مثل أحداث 11 أيلول، مما يعزز الأمن القومي الأمريكي.

ففي هذا الصدد قدم إقليم كوردستان نفسه بوصفه عاملاً مساعداً ونقطة انطلاق لتطبيق الاستراتيجية الأمريكية المتمثلة بتبني الديمقراطية وضمان حقوق الانسان وحرياته وما يتضمنه من حقوق المرأة، ليس في إقليم كوردستان فحسب، بل في العراق بأكمله. ناهيك عن تمتع إقليم كوردستان بمقومات متمثلة بالأرض، والجيش، والقومية، والنظام السياسي، وتجربة ديمقراطية جيدة ومستقرة وكيان سياسي فرضه الأمر الواقع. كل ذلك منح كوردستان العراق دوراً حيوياً في تحرير العراق، وفي مساهمة فعالة في تحقيق الهدف الاستراتيجي الامريكي في انهاء النظام الدكتاتوري والبدء ببناء نظام ديمقراطي في العراق (مقابلة مع مسؤول سياسي كوردستاني، 12\1\2023). وبالفعل، في الحرب على العراق عام 2003، ساهمت كوردستان العراق في تحقيق الهدف الامريكي بأنهاء النظام الدكتاتوري في العراق عن طريق السماح بعمليات إنزال للقوات الأمريكية في كوردستان العراق، لتساعد قوات البيشمركة في مواجهة القوات العراقية، وكذلك في توفير إمكانات تحريك امدادات للقوات الأمريكية في كوردستان العراق عبر الأراضي التركية، بالمقابل حصل القادة الكورد على وعود من الولايات المتحدة بأنها لا تسمح بدخول القوات التركية إلى كوردستان العراق (ئەحمەد ، 2019، صفحة 152). فبدأت قوات البيشمركة من الجبهة الشمالية، لتحرير الموصل وصلاح الدين وديالى وكركوك بمساندة قوات التحالف، إذ أدت هذه القوات دوراً حيوياً في تحرير العراق. ونتيجة لذلك، رأت الولايات المتحدة بأن للإقليم قوة أثبت في الحرب، وله رؤية في إدارة كيانه السياسي، مما أدى إلى تكوين شراكة ودية بين الأمريكان والاقليم، فضلاً عن رغبة الولايات المتحدة بجعل الإقليم حليفاً لها في بغداد وعاملاً مهماً لتطبيق استراتيجيتها (مقابلة مع مسؤول سياسي كوردستاني، 12\1\2023).

إن الدعم الكوردي للاستراتيجية الأمريكية في العراق أرسل اشارة واضحة للإدارة الأمريكية بان الحليف والصديق الرئيسي لها في العراق بشكل خاص، وفي المنطقة بشكل عام، هم الكورد، وكان هناك اعتقاد لدى الادارة الأمريكية أيضاً بأنه من المفترض دعم القضية الكوردية وحقوق الكورد في العراق واخذها بنظر الاعتبار (صادق، 2020، صفحة 108). وفي هذا الصدد أشار الجنرال جاي غارنر، أول حاكم عسكري في العراق إلى أهمية كوردستان، عندما قال: "إذا فشلت الاستراتيجية الأمريكية في العراق، يجب علينا دعم استقلال كوردستان، ومثلما كانت الفلبين هي المنصة الأمريكية لحماية المحيط الهادئ، ومن ثم فإن كوردستان يمكن أن تكون المنصة الأمريكية للشرق الأوسط في هذ القرن"  (غالبريث، 2007). وفي هذا الصدد، يشير بيترو غالبريث عضو مجلس الشيوخ الأمريكي (سعيد، 2010، صفحة 199)، بأن: "إقليم كوردستان يعد من المناطق النادرة جداً التي تتمتع فيها الولايات المتحدة الأمريكية بتأييد منقطع النظير سواء على المستوى الشعبي أو على المستوى الحكومي، وربما هي المنطقة الوحيدة في الشرق الأوسط من بعد إسرائيل التي تؤيد المشاريع والسياسات الأمريكية في المنطقة وتدعمها (غالبريث، 2007)، ولذلك، في المرحلة الانتقالية بعد 2003، وخاصة في 2005، حيث تم اجراء أول عملية انتخابية ديمقراطية في العراق، زاد التفاعل الامريكي مع إقليم كوردستان- العراق وتطورت بعدها العلاقات الدبلوماسية في الاقليم. بالإضافة إلى ذلك، وعليه فقد اعتبرت الولايات المتحدة الأقليم طرفاً رئيسياً في اقرار مستقبل العراق والعملية الديمقراطية في العراق. على سبيل المثال، عندما زارت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس العراق في 2005، احتلت زيارتها لإقليم كوردستان – العراق ورئيسها السيد "مسعود البارزاني" حيزا مهما، إذ ناقش كلا الجانبين العملية السياسية في العراق وكوردستان، وأكدت رايس ان الولايات المتحدة الأمريكية ستدعم استقرار وامن الإقليم، مشيرة إلى أن أفضل ضمان لحماية الإقليم والعراق كله هو العمل وفقاً لدستور ديمقراطي (Shukri, 2017, p. 91).

هذا التفاعل الرسمي الدبلوماسي تبعه افتتاح الولايات المتحدة الأمريكية لأول مرة بعثة دبلوماسية في أربيل في عام 2007  (دياب، 2018). وأصدر الكونجرس الأمريكي قراراً في 2 كانون الأول عام 2011، باستبدال هذه البعثة إلى مستوى القنصلية في أربيل، وفقاً للقرار المرقم (873) (Congress, 2010). وأشار القرار إلى الأهمية السياسية والأمنية والاقتصادية للقنصلية في أربيل، ودورها في العملية الديمقراطية وتسهيل عملية اندماج المنظمات غير الحكومية بين الطرفين، والمساهمة في عملية مكافحة الإرهاب (Congress, 2010). وبلا شك، أدى فتح القنصلية الأمريكية إلى تقارب كبير بين واشنطن واربيل واتفاق الطرفين في أكثر من مجال على أثر الزيارات الرسمية المستمرة للمسؤولين الرسميين (العابدين و هاشم، 2018، صفحة 137).

لذلك أدى فتح القنصلية الأمريكية إلى تقارب كبير بين واشنطن واربيل واتفاق الطرفين في أكثر من مجال على أثر الزيارات الرسمية المستمرة للمسؤولين الرسميين (العابدين و هاشم، 2018، صفحة 137). وذكر القنصل الامريكي اليكس لاسكاريس في كلمة ألقاها في الافتتاح: "ان هذا اليوم مهم في تاريخ الدبلوماسية الأمريكية وتطور العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وإقليم كوردستان والعراق"، وأضاف رئيس إقليم كوردستان آنذاك السيد مسعود البارزاني انه: "يوم مهم في تاريخ علاقات كوردستان مع الولايات المتحدة الأمريكية، وتتويج لعلاقات بعيدة المدى إذ قدمنا تضحيات كثيرة للوصول إلى هذه اللحظة" (افتتاح قنصلية امريكية في اقليم كردستان العراق، 2011). بالمقابل، في 2003، فتحت حكومة إقليم كوردستان ممثليتها في واشطن لتعزيز العلاقات الأمريكية الكوردية في المجالات ذات الاهتمام المشترك، ودعم مصالح أكثر من 50 ألف كوردي يقطنون الولايات المتحدة الأمريكية (هالو، 2016، الصفحات 75-76). إن افتتاح القنصلية الأمريكية في إقليم كوردستان خطوة دبلوماسية مهمة للولايات المتحدة لدعم الاستقرار وازدهار حقوق الانسان والديمقراطية في جميع انحاء العراق (Congress, 2010, pp. 1-3)، بالإضافة إلى أن هذا التفاعل الرسمي مع الإقليم يُعد اعترافاً بالواقع السياسي الجديد للإقليم، وبأهمية الإقليم كطرف اساسي موثوق به في الاستراتيجية الأمريكية في العراق (سرحان، 2013، الصفحات 120-121).

بناء على ما تقدم، يمكن القول بأنَّ التقارب الأمريكي الكوردي وفقاً للمصالح الأمريكية تمثل بإزاحة النظام السياسي العراقي السابق، الذي وصفته بأنه نظام دكتاتوري وداعم أساسي للمجموعات الإرهابية. وكان الإقليم فاعلاً رئيساً في عمليات انهاء النظام الدكتاتوري في العراق، ومن ثم في العملية السياسية الجديدة ضمن الدولة العراقية الاتحادية، وهذا ما أدى إلى تقوية العلاقات بين الطرفين والتفاعل الامريكي مع الكورد كفاعل رئيسي في العراق الجديد. وبعد الانفلات الأمني في العراق، زادت أهمية إقليم كوردستان- العراق للولايات المتحدة الأمريكية في استقرار ونشر الديمقراطية للعراق، كما سنبين ذلك في الفرع اللاحق.

المطلب الثالث: دور إقليم كوردستان- العراق في نشر الديمقراطية في العراق بعد عام 2003

منذ بداية الحرب على العراق، شارك إقليم كوردستان في تحقيق الهدف الاستراتيجي الامريكي في تحويل النظام الدكتاتوري إلى نظام ديمقراطي. حتى قبل بدء الحرب على العراق، كانت هناك علاقة بين قادة الإقليم والولايات المتحدة الأمريكية، بشأن اسقاط النظام العراقي، وأرسلت الولايات المتحدة دعوة سرية لقيادات كوردية مثل السيد مسعود البارزاني، والسيد جلال الطالباني، في 9 نيسان عام 2002.  وبات واضحا لدى القادة الكورد بأن القرار الأمريكي لاحتلال العراق نهائي وأصبح أمراً حتميا، حيث قال السيد البارزاني في هذا الصدد، "إن نشارك أو لم نشارك في الغزو، فأصبح سقوط بغداد قراراً حتمياً لإدارة بوش الابن" (البارزاني، 2022). وفي حال خاضت الولايات المتحدة الأمريكية الحرب، فان موقف الكورد كان واضحا بأنهم سيقفون بحزم إلى جانبها. في الواقع لم يكن لدى الولايات المتحدة داخل العراق حليفاً أكثر تحسماً من الكورد في رغبتهم في انهاء النظام الدكتاتوري (غالبريث، 2007، الصفحات 190-191). وكان مقترح القادة الكورد، وخاصة السيد البارزاني، حول اسقاط النظام العراقي يتمركز حول تجنب الفوضى والانفلات الامني بعد الاحتلال. ولذلك، اقترح السيد البارزاني بأنه يجب أن يكون هناك اجتماع ما بين المعارضة العراقية، وخلق بيئة مناسبة لملئ الفراغ الذي سيحصل بعد السقوط. وافق الأمريكان على هذا المقترح، وطرح نفس المقترح للمعارضة العراقية في لندن، وشكل هذا تمهيداً لانعقاد مؤتمر في لندن يجمع المعارضة (البارزاني، 2022)

وبالفعل انعقد مؤتمر المعارضة العراقية تحت شعار "من أجل إنقاذ العراق وتحقيق الديمقراطية" في الفترة من 14 إلى 15 كانون الأول 2002 في لندن، بمشاركة الاطراف الرئيسية للمعارضة بما فيهم قادة الكورد. ولخص المؤتمر إلى نتائج عدة، لعل من أهمها اتفاق المعارضة بما في ذلك القادة الكورد التأكيد على التنوع في تركيبة المجتمع العراقي المذهبية والقومية، والإجماع على تحقيق الهوية الوطنية والمساواة بين كافة المواطنين. وعبر المؤتمر عن احترامه لشعب إقليم كوردستان وإرادته الحرة في اختيار الصيغة المناسبة للشراكة مع المكونات الأخرى، والأخذ بالنظام الفدرالي وعدّه الصيغة الأمثل لحكم العراق، وينبغي اعتمادها بوصفها أساساً لحل مشكلة المكون الكوردي في إطار المؤسسات الدستورية العراقية، في المرحلة المقبلة وإحداث التغيير المنشود (البارزاني، 2020)، بالإضافة إلى ذلك، أكد نص البيان الختامي للمؤتمر على دور المعارضة الوطنية بتياراتها وتنظيماتها المختلفة وجماهير شعبنا وعلى امتداد الساحة الجغرافية العراقية وأهميته في جميع مراحل عملية التغيير المرتقبة في العراق. وأكد المؤتمر على ضرورة وضع دستور دائم للبلاد يراعى فيه تركيبة الشعب العراقي ويفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية ويلتزم بمبدأ سيادة القانون ويصون حقوق الإنسان والحريات العامة والخاصة ويحترم مؤسسات المجتمع المدني (الجزيرة، 2002).

وبعد رفض البرلمان التركي استخدام القوات الأمريكية للأراضي التركية من الشمال ضد العراق في 1 مارس/آذار 2003 (Aydın, 2009, p. 128)، أصبح إقليم كوردستان موطئ القدم الأمريكي لتحرير العراق وبالتالي عاملاً مهماً في تحقيق الاستراتيجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط وبالأخص تجاه العراق (مقابلة مع مسؤول سياسي كوردستاني، 8\1\2023). ناهيك عن أن فترة 1992 إلى 2003، كما أشرنا اليه سابقاً، أوجدت أرضية مهيئة جعلت لإقليم كوردستان مكانةً بارزةً وهامةً في العراق الجديد أكثر من الأطراف الأخرى، حيث في هذه الفترة كان الإقليم يتمتع بالحكم الذاتي، لذلك أصبح عاملاً مساعداً لتجمع المعارضة العراقية فيه (مقابلة مع مستشار سياسي كوردستاني، 10\1\2023).

في الواقع، موافقة الكورد على استخدام الأمريكيين كوردستان كقاعدة للإطاحة بالنظام البعثي في عام 2003، ومساهمة الكورد الفعالة بالقتال جنباً إلى جنب مع الأمريكيين للقضاء على النظام السابق (Lawrence, 2008, p. 211)، مهد الطريق للكورد لأن يكون لهم موطئ قدم مهم في العراق الجديد وكذلك في الاستراتيجية الأمريكية في العراق. وبالفعل، بُشر سقوط النظام العراقي في عام 2003 بفترة جديدة للكورد لأنه ذلك تمثيلاً هاماً في بغداد. فللمرة الأولى في العراق، دخل الكورد العملية السياسية الوطنية بعد صدام على قدم المساواة مع العرب العراقيين من خلال المشاركة في إدارة الدولة (سلطة الائتلاف المؤقتة) بقيادة الولايات المتحدة (Mohammed, 2013, p. 117).

وفي 6 أيار 2003، أعلنت الإدارة الأمريكية عن إنشاء سلطة الائتلاف المؤقتة لتكون أول إدارة مدنية لحكم العراق بعد الاحتلال الأمريكي بهدف السيطرة على العملية الانتقالية، وعُين السفير الأمريكي (بول بريمر) على رأس هذه السلطة باسم (مدير سلطة الائتلاف المؤقتة) (درويش، 2013، الصفحات 7-9). وبعد وقت قصير من إنشائها، أيد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة هذه السلطة في قرارها المرقم (1483) في 22 أيار 2003، حيث صرح بأنه " يؤيـد قيـام شـعب العـراق، بمســـاعدة الســلطة وبــالعمل مــع الممثــل الخــاص، بتكويـن إدارة عراقيـة مؤقتـة بوصفـها إدارة انتقاليـــة يســيرها العراقيــون، إلى أن ينشــئ شــعب العراق حكومة ممثلة له معترف بها دوليا وتتولى مسؤوليات السلطة " (مجلس الأمن الدولي، 2003).

وعند أول وصول له إلى العراق في عام 2003، القى بريمر خطاب شدد فيها على تأسيس سلطة وطنية تضم جميع الطوائف العراقية، الشيعة والسنة والكورد والمسيحيين والتركمان في فترة زمنية قصيرة، والعمل على كتابة دستور جديد، وأصدر قرارات عدة مهمة ومنها ما يتعلق بحل حزب البعث ومنع جميع مسؤولي الحزب من المهن الرئيسة، وحل الجيش وأجهزة الاستخبارات والأمن العراقية التابعة للنظام السابق. وقرر تأسيس صندوق إنعاش العراق، والذي كان يتكون من إيرادات النفط ومشتقاته، لتقديم الخدمات للعراقيين (عبدالغفور، 2017، صفحة 79). وبعد ذلك، أسس مجلس الحكم الانتقالي في 13 تموز 2003، الذي كان يتكون من 25 عضواً من كافة أطياف المجتمع العراقي. وفي هذه السلطة حصل الكورد على تمثيل مهم، حيث حصلوا على خمسة مقاعد من أصل 25 في مجلس الحكم العراقي الاستشاري الذي تم تعيينه في تموز / يوليو 2003 (Mohammed, 2013, p. 117).  وكانت نسبة الطائفة الشيعية تمثل 13 عضواً، والمكون العربي السني 5 أعضاء، اما فيما يتعلق بـالتركمانيين والمسيحيين كل منهما عضواً (عبابكر، 2013، صفحة 105: الكبيسي، 2013، صفحة 88).

وفيما يتعلق بصيغة إدارة المجلس ورئاسته، ترأس أكبر الأعضاء سنا، محمد بحر العلوم، الاجتماعات إلى أن تقرر أن ينتخب رئيساً للمجلس كل شهر حسب الترتيب الابجدي لأسماء الأعضاء، وتمكن عضوان كورديان لأول مرة بالمشاركة الفعلية لإدارة العراق، عن طريق رئاسة مجلس الحكم، كشركاء فعليين في العملية السياسية وفي بناء العراق الجديد. ترأس جلال الطالباني المجلس من 1 تشرين الثاني 2003 إلى 30 من الشهر ذاته، ثم ترأس مسعود بارزاني المجلس من 1 نيسان 2004 إلى 30 الشهر ذاته (درويش، 2013، صفحة 16). وفي كتابه "عام قضيته في العراق"، يؤكد بريمر على اهمية وضرورة مشاركة الكورد في مجلس الحكم وفي بناء العراق الجديد، ولهذا السبب  ضغطت عليهم للمشاركة الفعلية، حيث قال بريمر "أعرف عبر زيارتي السابقة أن الزعيمين رحبا بالتحرير بحل حزب البعث وقوات الأمن، إلا أنَّ أياً منهما لم يرغب في الانضمام إلى مجلس الحكم، إننا مصرون على دعم قضية اقامة عراق فيدرالي، وشعر الطالباني بالسعادة لأن التحالف بات يدعم هدف الكورد الذين ظلوا ملتزمين به منذ فترة طويلة، وأكدت له أن مجلس الحكم ستكون له سلطة سياسية حقيقية، وثم وافق الطالباني على هذا الأساس" (بريمر، 2006، صفحة 123). في الواقع، في 27 كانون الثاني 2004، التقى السيدان الطالباني والبارزاني مع بريمر، الذي قدم لهما وثيقة تتضمن مجموعة من المبادئ العامة حول الفدرالية، والتي نصت بالاعتراف ب كوردستان بوصفها وحدة فدرالية ذات سلطات محدودة (غالبريث، 2007، صفحة 197).

وفي تلك الفترة، أثير الجدل داخل مجلس الحكم حول بعض من قوانين إدارة الدولة، لاسيما تلك المتعلقة بالفدرالية وتطبيع الأوضاع في مدينة كركوك، وواقع إقليم كوردستان في العراق، إذ هدد القادة الكورد بالانسحاب من المجلس إذا لم تتم الاستجابة لمطالبهم بالفدرالية، إلا أن الأمر قد حُسم بعد تدخل على السيستاني (المرجع الأعلى للمذهب الشيعي) وضغوط بريمر، فوافق أعضاء المجلس السنة والشيعة على النظام الفدرالي (العزاوي، 2009، صفحة 62)، حيث نصت المادة الرابعة من قانون إدارة الدولة على الفدرالية بالقول أن: "نظام حكم العراق جمهوري، اتحادي(فدرالي)، ديمقراطي تعددي" (قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية ، 2003، صفحة 165). بالرغم من دعم بريمر والادارة الأمريكية لمطلب الكورد في الفدرالية، لكنهم أكدوا على استراتيجيتهم التي تدعم عراقاً موحداً تمارس فيه الحكومة المركزية السلطة على الشؤون الوطنية، مثل السياسة الخارجية والموارد الطبيعية ومسألة نشر القوات العراقية على الحدود (بريمر، 2006، صفحة 343).

بالإضافة إلى ذلك، كان للكورد دور بارز في انجاح الخطوات الأولى للعملية الديمقراطية في العراق، سواء في وضع الدستور العراقي أو في التجربة الانتخابية الأولى في 2005. وأدى إقليم كوردستان-العراق دوراً بارزاً في التصويت على الدستور العراقي في 15 تشرين الأول 2005، وخاصة بسبب رفض ومقاطعة المكون السني التصويت عليه، وأصبح الدستور الدائم للعراق الجديد (درويش، 2013، صفحة 40). وفي عملية الانتخابات النيابية الأولى في العراق في 15 كانون الأول 2005، شاركت الاحزاب السياسية الكوردية بقوة وكان عاملا بارزا في انجاحها، حيث حصلت الاحزاب الكوردية على 58 مقعدا نيابيا (موقع برلمان العراق ،2005). واحتل التحالف الكوردستاني المرتبة الثانية في الانتخابات بعد القائمة الشيعية (التحالف الوطني العراقي)، وكانت هذه النتيجة بمثابة خطوة كبيرة للكورد في العراق، حيث اخذ الكورد مكانة كبيرة ومؤثرة في العملية السياسية في العراق ومراكز ومناصب مهمة في الحكومة العراقية (ئاميدي، 2011).

اما بالنسبة لدور إقليم كوردستان في ذلك الدستور وكما يذكر السيد البارزاني، "كان للأطراف الكوردستانية دور فاعل ومؤثر في صياغة نصوص الدستور العراقي الجديد والتصويت عليه وإنجاحه، وفي تثبيت الحقوق للمكونات المختلفة وملامح الشراكة والديمقراطية فيه، ولو لم يشارك كوردستان في كتابته لما كان يكتب بشكله الحالي" (البارزاني، 2020، الصفحات 47-48). لذلك، إقليم كوردستان لعب دوراً اساسياً في بناء اللبنات الأولى لعملية التحول الديمقراطي في العراق (مقابلة مع مسؤول سياسي كوردستاني، 14\1\2023). وبموجب الوضع الجديد في العراق، حصل المكون الكوردي على منصب رئيس جهورية العراق بوصفه مكوناً أساسياً في تحقيق وبناء دولة ديمقراطية ومستقرة. وذكر السيد مسعود البارزاني في إحدى لقاءاته، بأن الأمريكيين كانوا مصرين على ان تكون رئاسة جمهورية العراق من حصة المكون السني، فزارت ثلاثة وفود أمريكية الإقليم من أجل اقناع القادة الكورد بالتنازل عن رئاسة جمهورية العراق لصالح المكون السني، وكان الضغط الأمريكي غير مسبوق. إلا أن السيد البارزاني رفض ذلك، وهدد بالانسحاب من العملية السياسية في العراق، مما أجبر الأمريكيين على ترك رئاسة الجمهورية للمكون الكوردي، فبحسب وجهة النظر الأمريكية أنَّ هذا الانسحاب سيؤدي إلى الفوضى ليس في العراق، بل في المنطقة بأكملها (البارزاني، 2022). هذا أيضاً، يؤكد على فعالية الإقليم كطرف اساسي لإنجاح العملية السياسية والتحول الديمقراطي في العراق، وانه بدون الجانب الكوردي، وخاصة ان الطرف السني بالأصل غائب، قد تفشل العملية السياسية بالكامل في العراق.

بالرغم من العلاقات القوية بين الولايات المتحدة وإقليم كوردستان – العراق، كان واضحاً أن الإقليم الطرف الاكثر موثوقية ويمكن الاعتماد عليه بالنسبة للولايات المتحدة، إلا ان الولايات المتحدة كانت منذ البداية مع عراق موحد. ولذلك، لم تبادر الولايات المتحدة الأمريكية لمعالجة قضية المناطق المتنازعة عليها وفق المادة (140) من الدستور العراقي الدائم لصالح الاقليم، ولكن حاولت عن طريق الأمم المتحدة معالجة هذه المشكلة ما بين بغداد واربيل وفق الدستور العراقي (عيسى، 2012، صفحة 47). قد يكون السبب وراء عدم التدخل الامريكي لفرض حل للمادة (140) هو الاعتقاد بان تطبيق هذه المادة في وقتها المحدد، حيث حسب الدستور العراقي كان من المفترض تطبيقها في مدةٍ أقصاها 31 كانون الأول عام 2007، متضمناً مرحلة التطبيع والاحصاء والاستفتاء (دستور جمهورية العراق ، 2005، الصفحات 70-69)، سيؤدي إلى تفاقم الوضع وعدم الاستقرار وربما حرب أهلية بين المكونات الأساسية في هذه المناطق (مقابلة مع مسؤول سياسي كوردستاني، 10\1\2023). ويرى الجانب الأمريكي بأن هذه المسألة مشكلة داخلية، حيث يجب أن يكون هناك توافق سياسي بين الأطراف الأساسية في العملية السياسية العراقية (مقابلة مع مسؤول سياسي كوردستاني، 14\1\2023). بالإضافة إلى أن أغلب الأحزاب السياسية العربية والتركمانية تقف بالضد من معالجة هذه مناطق وفقاً للدستور، وخاصة لأنه وفقاً للآلية الدستورية فإن ضم هذه المناطق إلى إقليم كوردستان سيكون الاحتمال الأكبر (ئەحمەد، 2019، صفحة 240).

بناءً على ما تقدم، يمكن القول بأن إقليم كوردستان- العراق كان يتمتع بمقومات وخصائص عديدة منها ما هي متمثلة بالأرض، والجيش، والقومية، والنظام السياسي، وتجربة ديمقراطية جيدة ومستقرة وكيان سياسي تحت فرض الأمر الواقع، اذ منحت هذه الخصائص أن يؤدي الإقليم دوراً حيوياً في تحرير العراق، وفي مساهمة فعالة في الهدف الاستراتيجي الامريكي في انهاء النظام الدكتاتوري والبدء ببناء نظام ديمقراطي في العراق. وفي السياق ذاته، بعد سقوط النظام الدكتاتوري في العراق عام 2003، كان للكورد دور كبير في إدارة المرحلة الانتقالية، ومشاركة القادة الكورد (البارزاني والطالباني) في رئاسة مجلس الحكم ودورهم الفاعل والمؤثر في صياغة نصوص الدستور العراقي الجديد، المبني على أسس الديمقراطية والفيدرالية، والتصويت عليه وإنجاحه، وفي تثبيت الحقوق للمكونات المختلفة وملامح الشراكة والديمقراطية فيه. ولكن تعرضت اهداف الولايات المتحدة الى بعض التحديات والعقبات، فهدف الولايات المتحدة الامريكية من احتلال العراق كان العمل على تحويله الى دولة حليفة تتماشى مع استراتيجيتها المتمثلة في تعزيز هيمنتها في الشرق الأوسط وتأسيس دولة ديمقراطية وعدم هيمنة الجماعات الدينية وخاصة المتطرفة على العراق الجديد.

المبحث الثاني: مكانة إقليم كوردستان-العراق في الإٍستراتيجية الأمريكية بشأن مكافحة الإرهاب بعد عام 2014

يتناول هذا المبحث مكانة إقليم كوردستان-العراق في الإستراتيجية الأمريكية بشأن مكافحة الإرهاب خلال مطلبين رئيسيين. يتطرق المطلب الأول عن دور إقليم كوردستان-العراق في الحرب على الإرهاب بعد عام 2014. يتناول المطلب الثاني العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة الأمريكية وبين إقليم كوردستان-العراق.

المطلب الأول: دور إقليم كوردستان-العراق في الحرب على الإرهاب بعد عام 2014

إنَّ للحديث عن دور إقليم كوردستان العراق في الحرب على الإرهاب مجالات متشعبة ومواضيع متعددة، ومن أجل الاطلاع على القسم المرتبط بدراستنا فمن الضروري تقسيمه إلى فرعين للتطرق إلى كل مجال بشكل ملائم، ووفقاً لذلك خصصنا الفرع الأول لدعم الولايات المتحدة الأمريكية لإقليم كوردستان- العراق في مكافحة الإرهاب، والفرع الثاني يبحث عن إقليم كوردستان-العراق كفاعل في التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب بعد 2014.

الفرع الأول: دعم الولايات المتحدة الأمريكية لإقليم كوردستان- العراق في مكافحة الإرهاب بعد عام 2014          

يُعد عام 2014 بداية مرحلة جديدة في العلاقات بين إقليم كوردستان والولايات المتحدة، وخاصة عندما ظهر تنظيم (الدولة الاسلامية) الإرهابي المسمى ب (داعش)، فقد هاجم هذا التنظيم الأراضي العراقية ونتج عنه انسحاب وانهيار الجيش العراقي وسيطرة التنظيم على أراضٍ واسعة من العراق بشكل سريع، ففي بداية هذا الحدث لم تكن إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق أوباما مستعدةً للتدخل في مواجهة هذا التنظيم الارهابي، إذ اعتقدت انها حرب بين الطائفتين السنية والشيعية (ئەحمەد، 2020، الصفحات 356-357). ولكن فيما بعد، وحسبما ذكر أوباما في خطابه، فانه بعد سيطرة تنظيم داعش على مساحات واسعة من العراق واقترابهم من مدينة أربيل حيث يخدم الدبلوماسيون والمدنيون الأمريكيون في القنصلية الأمريكية، ويقدم العسكريون الأمريكيون في اربيل المشورة للقوات العراقية، ولوقف الهجمات الارهابية والتقدم نحو أربيل، وجهت جيشنا بتوجيه ضربات مستهدفة ضد قوافل داعش من أجل حماية أربيل (Obama, 2014).

وقد أصدر الرئيس أوباما قراراً بتنفيذ ضربات جوية باستخدام المقاتلات والطائرات بدون طيار، وإرسال طاقم من 130 مستشاراً وخبيراً عسكرياً إلى أربيل، كان جزء منهم في مركز العمليات المشتركة في أربيل، وكانت مهمتهم تركز على تقييم قدرات البيشمركة وتحديد الدعم لها، وذهب جزء آخر، إلى سنجار لتقييم الوضع وتقديم المساعدات الإنسانية لسكانها الذين حاصرهم داعش في جبل سنجار. واضاف أوباما في خطابه، قدمنا مساعدات عاجلة للحكومة العراقية والقوات الكوردية حتى تتمكن القوتان من التصدي لهذا التنظيم بأكثر فاعلية وشن الهجمات عليها. وأكد أيضاً بأن بلاده لن تتدخل برياً في الحرب على تنظيم داعش؛ بل ستتعاون إدارته وتساعد الحلفاء لمكافحة الإرهاب، والمشاركة بالقضاء على التنظيم عبر الغارات الجوية. وكان جزء من استراتيجيته يدور حول تدريب القوات العراقية، وقوات البيشمركة، والقبائل السنية في العراق، والقوات الكوردية في سوريا (والتي تعرضت هي أيضاً لهجماتها) للقضاء على تنظيم داعش (Obama, 2014).

وذكرت وثيقة الاستراتيجية الأمريكية لإدارة أوباما، فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب، إن الولايات المتحدة الأمريكية ستعمل على تعزيز وتمكين شركائها، وبأن الحاجة إلى شركاء في الحرب ضد داعش في خارج وداخل سوريا والعراق، لن يساعد فقط على تحقيق النجاح في جهود تدمير التنظيم؛ بل كذلك لضمان استدامة تلك الجهود. كما أنشأت تحالفاً دولياً يضم أكثر من 65 دولة لمحاربة التنظيم، فضلاً عن دعم الشركاء المحليين وتعزيز قدراتهم في العراق وسوريا لمساعدتهم على محاربة التنظيم والحفاظ على هذه المكاسب (The White House, A., 2015, p. 1). كما قامت إدارة أوباما بتدريب ما يقارب من 15000 فرداً من قوات الجيش العراقي، بما في ذلك البيشمركة والقبائل السنية. وتكثيف توريد المعدات الفعالة لهم على الأرض وكذلك نشر فرق صغيرة من قوات العمليات الخاصة لتدريب هذه القوات وتقديم المعونات لهم وتمكينهم (The White House, A., 2015).

في الواقع، عملت الولايات المتحدة الأمريكية مع حلفائها الأوروبيين لتطبيق تلك الاستراتيجية في مكافحة الإرهاب والمتمثلة بالاعتماد على الحلفاء المحليين في المناطق التي يتواجد فيها تنظيم داعش. وفي هذا الصدد، قال ريتشارد هاس الرئيس السابق لمجلس العلاقات الخارجية بأن: "القوة الوحيدة التي يمكن ان تقف بوجه داعش على الأرض هي قوات البيشمركة التابعة لإقليم كوردستان العراق" (صادق، 2020، صفحة 135)، فلا جدال في أن قوات البيشمركة كان شريكا رئيسيا ً في تحقيق الاستراتيجية الأمريكية المتمثلة بهزيمة تنظيم داعش (Fliervoet, 2018, p. 5). وعلى الرغم من إعلان إدارة أوباما بعدم المشاركة برياً في الحرب؛ إلا أنها حاولت الحفاظ على وجود عدد من القوات العسكرية الفنية وفضلت العمل عن طريق الحكومة العراقية والحلفاء الآخرين، إذ أثبتت بعض الفواعل من غير الدول مثل إقليم كوردستان وعبر قوته العسكرية المتمثلة بالبيشمركة فاعليتها على ارض الواقع (Congressional, 2017, p. 29). وقد وصف القانون الصادر من الكونجرس الامريكي المرقم 1654، بان قوات البيشمركة ضرورية لمواجهة تهديد داعش للعراق والمنطقة ومصالح الولايات المتحدة .(Congress, B.,2015) وقد أدركت الولايات المتحدة الأمريكية بأن هذه القوات مستعدة لوقف تهديد داعش، إلا أنها تحتاج للمعدات والأسلحة الثقيلة، ولذلك قررت تقديم المعونة المطلوبة (مقابلة مع مسؤول عسكري كوردستاني، 10\4\2023). وبالفعل، وافقت الحكومة العراقية على إقراض 200 مليون دولار من التمويل العسكري الأجنبي للسنة المالية 2016 المدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية، لشراء معدات عسكرية لقوات البيشمركة Congressional,) (2017, p. 31. ووفقاً للقانون الصادر من الكونجرس الأمريكي المرقم 235- 113 في عام 2014، يجب توفير الأموال المخصصة بموجب هذا القانون لمساعدة العراق على تعزيز امنها واستقرارها الداخلي والإقليمي، بما في ذلك كوردستان العراق (Congress, A., 2015). ووفقا لصندوق تدريب وتجهيز العراق كان في حينها هناك مليار ونصف مليار دولار مخصص للتدريب ومعدات الدعم اللوجستي ورواتب إصلاح البنية التحتية وتجديدها للقوات العراقية والبيشمركة لمواجهة الإرهاب (Congress, A., 2015).

وفي السياق نفسه، صدر قانون آخر من الكونجرس المرقم 92 – 114، حول محاربة الإرهاب (داعش)، إذ نص على أن التنظيم الإرهابي يشكل تهديداً خطيراً على الشعب العراقي، بما في ذلك إقليم كوردستان، وباقي المكونات، وأمن واستقرار الشرق الأوسط، لذا فإن هزيمة داعش أمر بالغ الأهمية للحفاظ على عراق موحد. إذ يجب على الحكومة الأمريكية التنسيق مع الحلفاء مثل البيشمركة والقوات السنية ومع القوات العراقية الرسمية، ويجب تدريبهم وتجهيزهم بشكل أكثر فاعلية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من أعضاء التحالف الدولي لمواجهة داعش Congress, A., 2016)). وفي خطوة اخرى مهمة من الكونجرس الامريكي، صوتة لجنة القوات المسلحة بالكونجرس على قانون الدفاع الوطني (NDAA)، حيث بموجبها يمكن تخصيص 25 في المائة من جميع المساعدات العسكرية الأمريكية للعراق واعطائها مباشرةً إلى المقاتلين الكورد والسنة ((Congress, B., 2015، وهما جماعتان شعرتا بالتهميش من قبل حكومة بغداد، كما يتيح الاقتراح لوزير الدفاع زيادة النسبة التي تذهب إلى السنة والكورد (Ahmed, 2017).

بالإضافة إلى ذلك، خول قانون الكونجرس رقم 1654 الرئيس الامريكي بتقديم مواد وخدمات دفاعية وتدريبات ذات صلة مباشرة إلى حكومة إقليم كردستان وقوات البيشمركة لافتقارها إلى الأسلحة والمركبات المدرعة الجاهزة للمعركة اللازمة لاتخاذ إجراءات هجومية كبيرة ضد قوات داعش. وذلك لان قوات البيشمركة ضرورية لمواجهة تهديد داعش للعراق والمنطقة ومصالح الولايات المتحدة (Congress, B., 2015). لذلك، بناء على قوانين الكونجرس، فإن الرئيس الامريكي مخول بتقديم المساعدات إلى البيشمركة بشكل مباشر، وبالفعل، عملا بمذكرة التفاهم الموقعة بين أمريكا وإقليم كوردستان في عام 2016، قدمت أمريكا أكثر من 400 مليون دولار من التمويل الدفاعي لدعم إقليم كوردستان والتي يتم تسليمها شهرياً بشكل أقساط (Congressional, 2017, p. 36).

وفي حقبة الرئيس السابق دونالد ترامب، طالبت إدارته بمبلغٍ إضافي بقيمة 365 مليون دولار لتمويل الدفاع ودعم البرامج بالتعاون بين الحكومة الأمريكية وإقليم كوردستان والعراق بوصفه جزءاً من طلب صندوق تمويل الحرب على الإرهاب للسنة المالية 2018. واقترحت هذه الإدارة بيع المعدات العسكرية لقوات البيشمركة التي وافقت بغداد على تمويلها باستخدام جزء من عائدات قروض التمويل العسكري الأجنبي المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية Congressional,) (2017, p. 36. ووافق الكونجرس على هذا الطلب في القانون المرقم 115-31 PL، من أجل تعزيز القدرات الأمنية لإقليم كوردستان في مواجهة التنظيمات الإرهابية مثل داعش (Congress, 2017).

بالإضافة إلى ذلك، لأهمية قوات البيشمركة، حاولت الولايات المتحدة توحيد قوات البيشمركة وتجهيزها وتدريبها وإضفاء الطابع المهني عليها. لا يوجد مركزية في القرار بالنسبة لقوات البيشمركة، حيث هناك قوات بيشمركة تابعة للحزب الديمقراطي الكوردستاني، والتي تعرف بوحدات ال (80)، وقوات اخرى تابعة للاتحاد الوطني الكوردستاني، والتي تعرف بوحدات ال (70) (Aziz, And Andrew, 2021, p. 229). ولذلك، واجهت عملية توحيد قوات البيشمركة لتصبح قوة في تحالف دولي مستدام جاهزة في حالة الحروب وعدم الاستقرار ومكافحة الإرهاب عقبات عدة، وخاصة عدم وجود تنظيم موحد ومركزية في القرار والانضباط (عزيز، 2019، صفحة 10). وهذا ما ركزت عليه الولايات المتحدة الأمريكية في علاقاتها مع إقليم كوردستان، وذكر مسؤول رفيع المستوى بأن الولايات المتحدة غير راضٍ عن الحزبين الكورديين بسبب هذه التحديات التي تعرقل عملية توحيد قوات البيشمركة (مقابلة مع مسؤول سياسي كوردستاني، 12\1\2023).

بالرغم من أن القيادة الكوردية أيضاً تدرك مخاطر الانقسامات داخل قوات البيشمركة، وأن توحيد هذه القوات واضفاء الطابع المهني عليها وعدم تسيسها أمر حيوي لتعزيز قدراتها في مواجهة التحديات الخارجية عليها Fliervoet,) (2018, p. 2، لا زالت المحاولات مستمرة لتوحيد هذه القوات ولا يوجد توافق كوردي على هذه المسألة Basnews,) (2021. قد يكون السبب انعدام الثقة بين الحزبين الرئيسيين ولذلك من الصعب الوصول إلى توافق سياسي على هذا الامر، وأيضاً هناك شكوك بأن الحزبين الرئيسيين لديهم الإرادة السياسية للتخلي عن السلطة على قواتهم المسلحة، وخاصة أنها لاتزال مصدر قوتهم الأساسية (Fliervoet, 2018, p. 20)، ووسيلة للحفاظ على البقاء، وخاصة بالنسبة الأتحاد الوطني الكوردستاني، حيث ثقله السياسي في الحكومة أضعف من الحزب الديمقراطي. فلولا تمسك هذا الحزب بقواتها العسكرية، من الصعب الحفاظ على بقائه بوصفه حزباً أساسياً في حكومة إقليم كوردستان (مقابلة مع مسؤول سياسي، 14\1\2023). وتجلت مخاطر هذه التحديات، عندما انسحبت بعض قوات البيشمركة من كركوك ومن المناطق المتنازع عليها في مواجهة تقدم الجيش العراقي والحشد الشعبي بعد استفتاء الإقليم عام 2017، حيث لم يكن هناك قيادة موحدة ولا قرار موحد والنتيجة كانت مأساوية للإقليم، حيث فقدت السيطرة على كركوك والمناطق المتنازع عليها (مقابلة مع مسؤول عسكري كوردستاني، 10\1\2023).

ومع ظهور داعش وهجومه على إقليم كوردستان، باتت عملية توحيد قوات البيشمركة ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها (مقابلة مع مسؤول عسكري، 10\14\2023). وأخذ المساعدة الأمريكية طابعاً تقنياً قوياً، إذ ركزت على توفير المعدات والتدريب وتجهيز البيشمركة والتغييرات على مستوى وزارة شؤون البيشمركة. بالرغم من أن توفير التدريب والإصلاحات التنظيمية ضرورية لتعزيز الفعالية العسكرية لقوات البيشمركة، لكنها لا تعالج العقبات الرئيسة التي تعاني منها في مسألة توحيدها. إن الدعوات الغربية للإصلاحات داخل قوات البيشمركة لم تلق معارضة من قبل قادة الكورد، على الاقل في خطاباتهم العلنية، ولكن، على ارض الواقع، يبقى دعم القادة لهذه العملية محل تساؤل وشك، فتجربة تعامل الطرفين مع الإصلاح جعلت من المسؤولين الغربيين يدركون جيداً التحديات التي تعترض هذه العملية Aziz, And  Andrew,) (2021, p. 237.

إن استعداد الحلفاء لدعم الإقليم لتوحيد قواته العسكرية كان لمصلحة الطرفين، حيث من جهة، للاعتماد عليه في حالات الفوضى في المنطقة مستقبلاً، ومن جهة ثانية، تعد هذه فرصة تاريخية نادرة للإقليم كشريك اساسي في محاربة الإرهاب (عزيز، 2019، الصفحات 8-9). فالفوضى وتعدد القوى وزيادة الصراعات المستمرة في الشرق الأوسط، جعل الحلفاء يرون بأن قوات البيشمركة يجب أن تؤدي دوراً أكبر وأكثر فعالية، ولتكون قادرة على ذلك يجب دعم عملية توحيد هذه القوات، مالياً وعسكرياً (مقابلة مع مسؤول سياسي كوردستاني، 12\1\2023). وبالفعل، جرى تفاهم أمريكي مع حكومة إقليم كردستان2015\20\11، إذ تعهد الطرف الأول بتقديم 415 مليون دولار لرواتب البيشمركة والذخيرة والإمدادات (The White House, A., 2015). وفي عام 2016 وقعت مذكرة تفاهم مع الإقليم بشأن التعاون العسكري بين الجانبين في مرحلة مقبلة من الحرب ضد تنظيم داعش، بيد أنه لم يتم الإعلان عن شروطها الدقيقة (Knights, 2016).

وكشف جبار ياور أمين عام وزارة البيشمركة أن: "الأمريكان والألمان والبريطانيين قد وعدونا بأنهم لن يقدموا توصيات للإصلاح فحسب؛ بل سيبقون معنا أيضاً ويساعدوننا في تنفيذ كل نقطة من الخطة". وأضاف "إنهم لا يقصدون شيئا مؤقتاً، بل إنه تفاهم طويل الأجل واستراتيجي" (Rudaw, 2017). وتجدر الإشارة إلى أن خطة الإصلاح تضمنت 35 نقطة، تتضمن تنظيم القوات البيشمركة وتوحيدها في أطار وزارة شؤون البيشمركة في حكومة إقليم كوردستان (مقابلة مع مسؤول عسكري كوردستاني، 10\4\2023). في الواقع، اتخذت وزارة الخارجية الأمريكية قراراً لتأسيس لوائين مشاة من البيشمركة واثنين من دعم كتائب المدفعية بموافقة الكونجرس في عام 2017، بتكلفة تقديرية نحو 295.6 مليون دولار، وبموافقة الحكومة الاتحادية، هذه الألوية وكتائب المدفعية يكون عملها تحت إِشراف وزارة البيشمركة (U.S. Defense (Security Cooperation Agency, 2017.

وصرح القنصل الأمريكي في مؤتمر صحفي، أن قوات البيشمركة التي هزمت تنظيم داعش هي الآن في مستوى أقوى، ولحماية إقليم كوردستان في المستقبل تعتقد الولايات المتحدة الأمريكية أنه كلما زاد توحيد قوات البيشمركة؛ كلما كان إقليم كوردستان أقوى. وذكر بأن تعاون بلاده مع الإقليم ليس فقط في المجال الأمني؛ بل يشمل كذلك قضايا أكثر أهمية، بما في ذلك التنمية الاقتصادية، ومكافحة فيروس كورونا والفساد، وحماية التراث الثقافي الفريد لإقليم كوردستان، فضلاً عن تعزيز الصحة والتعليم، وحماية البيئة وسيادة القانون (پالەدینۆ، 2021). ولكن في الوقت نفسه، وحسب قيادي عسكري في وزارة البيشمركة، أنَّ الولايات المتحدة الأمريكية أبلغت حكومة الإقليم بأنها إذا لم توحد هذه القوات ستتوقف عن تقديم الدعم المالي والعسكري لها (مقابلة مع مسؤول عسكري كوردستاني، 10\1\2023). وفي الآونة الاخيرة، وجه التحالف الدولي تحذيرات إلى وزارة البيشمركة، مؤكداً بأن التنسيق والتعاون وبرامج التدريب لن تستمر في ظل التدخلات الحزبية، وفي اجتماع بين الجانبين عام 2023 خاطب (فين والت) رئيس وفد التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب الأحزاب الكوردية بلهجة مشددة قائلاً: "كونوا متوحدين". وصرح جبار ياور في مؤتمر صحفي عقب الاجتماع أن وفد التحالف قال بأنه سيقدم المساعدة فقط لحكومة الإقليم، وليس للأحزاب، مهدداً بأنه لن يستطيع الاستمرار في تقديم المساعدة إن لم توحد الأحزاب قواتها العسكرية (حسن، 2023).

فضلاً عن ذلك، كان تاريخ 16 تشرين الثاني عام 2017 نقطة تحول في تاريخ قوات البيشمركة (مقابلة مع مسؤول عسكري كوردستاني، 10\1\2023)، إذ انسحبت قوات البيشمركة التابعة للحزبين الرئيسيين من كركوك والمناطق المتنازع عليها دون مواجهة القوات العراقية والحشد الشعبي، وكان لذلك عواقب وخيمة على استقرار الإقليم، كما أدى الانسحاب إلى انقسام قوات البيشمركة مرة أخرى على أسس حزبية، ومن ثم اندثار سنوات من العمل الشاق في محاولة لتوحيد قوى الحزبين الحاكمين الرئيسين (Mcginn, 2018). ومن نتائج ذلك الانسحاب تعزيز نقاط التفتيش بين مناطق نفوذ كلا الحزبين ووصل الحال إلى ظهور دعوات للتقسيم الرسمي لإقليم كوردستان إلى مناطق تابعة للاتحاد الوطني وأخرى تابعة للحزب الديمقراطي، وأتهم مسؤولو كلا الحزبين بعضهم البعض بالخيانة عبر الاعلام، مما أثر بشكلٍ كبير على قوات البيشمركة التي كانت حليفاً رئيساً للتحالف المناهض لداعش لأكثر من ثلاث سنوات (Mcginn, 2018).

بناءً على ما تقدم، يمكن القول إن عام 2014 كانت بداية مرحلة جديدة في العلاقات الامريكية مع إقليم كوردستان-العراق، وخاصة عندما ظهر التنظيم الإرهابي(داعش)، كما ان الولايات المتحدة الأمريكية اعتمدت على قوات البيشمركة في مكافحة الإرهاب والقضاء عليه، وبعد ان أثبتت هذه القوات فعاليتها، قدمت الولايات المتحدة المساعدات العسكرية والمالية لتمكين هذه القوات وإضفاء الطابع المهني عليها في محاربة الإرهاب، ولم يعتمد الولايات المتحدة فقط على قوات البيشمركة، بل اعتمد عليها المجتمع الدولي ايضاً في مكافحة الإرهاب كإحدى القضايا الأساسية في النظام الدولي، لذلك هنا نود أن نؤكد على الأهمية الإستراتيجية للإقليم، وقوته العسكرية كفاعل أساسي في الإستراتيجية الامريكية في العراق بشكل خاص والشرق الأوسط بشكل عام.

الفرع الثاني: إقليم كوردستان-العراق كفاعل في التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب بعد عام 2014                       عند بدء العمليات العسكرية ضد داعش وحتى انتهائها، كانت قوات البيشمركة على الخطوط الإمامية في محاربة تنظيم داعش وكان طول الحدود بينها وبين داعش حوالي 650 ميلاً في المناطق المتنازع عليها التي تفصل بين الأراضي التي سيطرت عليها التنظيم الارهابي وإقليم كوردستان. وقد وصل حصيلة الضحايا إلى أكثر من 1400 من البيشمركة وآلاف من الجرحى والمفقودين، وعلى أثر ذلك صرح وزير الدفاع الأمريكي كارتر في عام 2015 بأن: "قوات البيشمركة هي بالضبط ما كنا نبحث عنها في هذه المعركة بأكملها في العراق وسوريا وهي قوة قادرة ومحفزة ويمكننا تمكينها" (Congress, B., 2016). وقد استعادت قوات البيشمركة الأراضي التي خسرتها لحساب داعش، ونجم عن هذه المكاسب إضعاف وصول تنظيم داعش لموارد النفط والغاز، وتجفيف بعض مصادر تمويله (ناتالي، 2015). لذلك، تم انشاء شبه قاعدة عسكرية في مطار أربيل للتنسيق بين قوات البيشمركة وقوات التحالف، وعن طريقها كانت دول التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية تدعم وتساند قوات البيشمركة، وكانت عاملاً حاسماً لانتصارها ضد الداعش  (نامق، 2017، صفحة 125)، وعلى الرغم من ذلك، لا يمكن وصف شبه القاعدة بأنها قاعدة متكاملة مثل قاعدة أنجرليك، أو قاعدة الدوحة، إلا أن هناك مكاناً لنزول وهبوط الطائرات الحربية، وأصبح مركزاً لانطلاق غارات قوات التحالف الجوية في العراق وسوريا (مقابلة مع مسؤول سياسي كوردستاني، 12\1\2023).

ومنح انتصار قوات البيشمركة في محاربة الإرهاب مكانة واسعة كشريك أساسي في الحرب على الارهاب ونشاطاً دبلوماسياً لإقليم كوردستان في المؤتمرات الدولية (مقابلة مع مسؤول سياسي كوردستاني، 12\1\2023). على سبيل المثال، تعاملت المملكة المتحدة بشكل علني ومباشر مع قوات البيشمركة باعتبارها كيان قانوني داخل الدولة العراقية، وكما صرح البرلمان البريطاني أنَّ توريد الأسلحة مباشرة إلى حكومة إقليم كوردستان أمراً قانونياً، فالمملكة لا ترى بأن هناك حظراً عاما بموجب القانون الدولي على توريد الأسلحة لقوات البيشمركة (Smith, 2018, p. 214). إن وضع إقليم كوردستان بوصفه شريكا استراتيجياً في التحالف الدولي ضد تنظيم داعش لم يكسبه نفوذاً عسكرياً فحسب، بل مكنه أيضاً لإجراء أنشطة عبر الحدود. ففي 28\10\2014 عبرت قوات البيشمركة الحدود رسمياً لأول مرة في تاريخها، عندما حصل الإقليم على الموافقة التركية والأمريكية للمساعدة في الدفاع عن كوباني (مدينة كوردية في كوردستان سوريا) في مواجهة هجمات تنظيم داعش. كما أعطت فعالية البيشمركة تفاعلاً دبلوماسياً لأربيل ودعمها مالياً وعسكرياً من الدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية (Palani, Khidir, Dechesne, And Bakker, 2019, p. 5).

هذا التفاعل المباشر مع قوات البيشمركة وإقليم كوردستان – العراق كشريك أساسي في الحرب على الارهاب منح قوات البيشمركة والإقليم اعترافاً رسمياً بحكم الواقع (de facto recognition)، سواء كلاعب أساسي في مكافحة الإرهاب، أو لاعب أساسي في تحقيق الاستقرار في العراق والمنطقة. قد يكون الاعتراف الدولي اما بحكم القانون (de jure recognition) أو بحكم الواقع. الاعتراف بحكم القانون هو عنصر رئيسي من عناصر السيادة، وبالتالي يُمنح تلقائياً للدول، اما من خلال الاعتراف الدبلوماسي بموجب القانون الدولي أو العضوية الرسمية في منظمة دولية (Ali, 2018, p. 34). وبما أن إقليم كوردستان – العراق ليس دولة ولا يملك السيادة، اذن الاعتراف الدولي القانوني غير ممكن. ولكن بالرغم من ذلك، يمكن القول ان تفاعل الإقليم المتبادل مع جهات فاعلة دولية اخرى ومشاركته الفعالة في الحرب على الارهاب منحه اعترافا دوليا واسعاً بحكم الواقع. 

وما ساعد على ذلك الزيارات والبعثات الخارجية الرسمية والتفاوض مع مختلف وحدات النظام الدولي، وتلقي المساعدات الخارجية والمشاركة في المؤتمرات والمنتديات والمنظمات الدولية، حيث كلما زادت هذه الزيارات والبعثات الخارجية، زادت المكانة الدولية للإقليم والاعتراف به  (Ababakr, 2020, p. 9) . وفي السياق ذاته، أدت مؤسسة العلاقات الخارجية للإقليم دوراً حيوياً في تعزيز علاقات الإقليم مع جميع فواعل النظام الدولي وتنسيق الاتصالات الرسمية معها، اذ يتمتع رئيس هذه المؤسسة بمكانة وزارية في الإقليم (Catherine, 2019)، حيث قام رئيس هذه المؤسسة بنحو 75 زيارة خارجية في المدة ما بين عامي 2012 إلى 2018 (Ababakr, 2020, p. 10). ومنذ 2014، زاد مشاركة الإقليم في الاحداث والمؤتمرات الدولية، وإن حضور أو دعوة قادة الإقليم لهذه المؤتمرات أصبح موضع تقدير كبير وأولوية مقارنة بممثلي العراق (Ababakr, 2020).

على سبيل المثال، كان لقادة إقليم كوردستان - العراق حضوراً قوياً في مؤتمر ميونيخ للأمن في ألمانيا منذ عام 2015، إذ تمت دعوة وفد الإقليم بشكل منفصل عن الوفد العراقي وعقدت اجتماعات دولية معهم بشكل مستقل عن الوفد العراقي. ومنح هذه المشاركة الأقليم ظهوراً دولياً كبيرا كفاعل رئيسي في مكافحة الإرهاب (Palani, Khidir, Dechesne, And Bakker,2019, p. 7). يعد مؤتمر ميونخ أحد أكبر وأهم المؤتمرات التي تناقش السياسات الأمنية العالمية، ويلتقي فيه المئات من صناع القرار من مختلف دول العالم وفي مختلف المجالات الأمنية والسياسية والعسكرية للتباحث حول أوضاع العالم والتحديات التي تواجهه على مختلف الأصعدة (فياض، 2022). فدعوة قادة الإقليم إلى هذه المؤتمرات العالمية والتفاعل مع الإقليم كونه كيانا مستقلاً دليل على تغيير سياسة الدول تجاه الإقليم كفاعل مهم في الحرب على الإرهاب (دزيي، 2020). ومنذ 2015، يشارك رئاسة الاقليم بدعوة رسمية من منظمي المؤتمر في مؤتمرات ميونيخ المتعلقة بالسلم والأمن الدوليين، نظراً للدور الذي قام به البيشمركة والإقليم في مكافحة الإرهاب والافتقار لوجود جيش دولي أو محلي يقوم بذلك المهمة (ميديا، 2016). ونظراً لأهمية الإقليم كفاعل رئيسي لمكافحة الإرهاب الدولي في المنطقة فقد استمر مشاركته في هذه المؤتمرات ليلتقي قيادة الإقليم بعدد من المسؤولين الدوليين، على سبيل المثال، في الدورة 53 للمؤتمر في العام 2017 الذي شارك فيه 30 رئيس دولة و80 وزيراً وأكثر من 500 عضو رفيع المستوى، اذ التقى رئيس الإقليم بمجموعة من الشخصيات الدولية وتم مناقشة الأوضاع الأمنية التي تواجهها المنطقة وقضايا دولية اخرى (جمكاري، 2017).

بناءً على ما تقدم، يمكن القول بإن إقليم كوردستان – العراق استطاع، عبر مشاركته الفعالة في الحرب على الارهاب، تقديم نفسه بوصفه فاعلاً مهما في قضية أساسية متعلقة بالسلم والامن الدوليين، مكافحة التنظيمات الإرهابية مثل داعش والقاعدة، وأثبات نفسه بوصفه عاملاً لاستقرار منطقة الشرق الأوسط. ومن خلال هذه المشاركة الفعالة في الحرب على الارهاب، زاد الاهمية الدولية وكذلك الاعتراف الدولي بحكم الواقع بالإقليم وبقوات البيشمركة كفاعل مهم في قضايا الامن الدولي والارهاب.

المطلب الثاني: العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة، والدول الأخرى، وبين إقليم كوردستان- العراق بعد عام 2014

يتناول هذا المطلب التفاعل الدبلوماسي للولايات المتحدة الأمريكية مع إقليم كوردستان- العراق كفاعل مهم في التحالف الدولي ضد الارهاب.  يبحث هذا المطلب هذا التفاعل الدبلوماسي من خلال فرعين، حيث يتطرق الفرع الأول التفاعل الدبلوماسي الدولي مع إقليم كوردستان-العراق بعد 2014. اما الفرع الثاني، فيتناول العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وإقليم كوردستان-العراق بعد استفتاء إقليم كوردستان – العراق في ايلول 2017.

الفرع الأول: التفاعل الدبلوماسي الدولي مع إقليم كوردستان-العراق بعد عام 2014

  يتمتع إقليم كوردستان-العراق بتمثيل وعلاقات دبلوماسية مع دول عدة من العالم، فهناك ما يقارب بأكثر من 40 قنصلية أو مكتب تمثيل أجنبي في إقليم كوردستان، فيما يتعلق بقنصليات دول الشرق الأوسط، تتضمن كل من: القنصلية العامة لجمهورية الايران الإسلامية، القنصلية العامة للمملكة الأردنية الهاشمية، القنصلية العامة لدولة فلسطين، القنصلية العامة لدولة الإمارة العربية المتحدة، القنصلية العامة لدول الكويت،  القنصلية العامة للممكلة العربية السعودية، والقنصلية العامة لدول القطر. وفيما يتعلق بالقارة الامريكية، القنصلية العامه للولايات المتحدة الأمريكية، ومكتب السفارة الكندية. ومن قارة افريقيا، قنصلية جمهورية مصر العربية، وقنصلية العامة لجمهورية السودان. وقنصليات قارة أوروبا في الاقليم، تتضمن كل من روسيا الاتحادية، جمهورية ألمانيا الاتحادية، جمهورية فرنسا، المملكة المتحدة البريطانية، ممكلة السويد، جمهورية تيشك، قنصلية هنكاريا، مملكة هولندا، جمهورية إيطاليا، جمهورية أرمينيا، جمهورية يونان، جمهورية رومانيا، جمهورية بولندا، جمهورية نمسا، جمهورية بلغاريا، مملكة اسبانيا، مملكة الدنمارك، جمهورية بيلاروسيا، وجمهورية سلوفاكيا. واما قنصليات دول اسيا والمحيط الهادئ في إقليم كوردستان فتشمل كل من: جمهورية تركيا، جمهورية كورية الجنوبية، اليابان، جمهورية سيرلانكا، جمهورية الهند، جمهورية قبرص، وجمهورية الصين الشعبية  (حکومەتی هەرێمی كوردستان، 2023).

اما بالنسبة للبعثات والوكالات الدولية، تتضمن إقليم كوردستان كل من وكالة كوريا للتعاون الدولي(JICA). ووكالة اليابان للتعاون الدولي(KOICA). مكتب بعثة الاتحاد الأوروبي. مكتب التمثيل الإقليمي لبعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (UNAMI). المكتب الإقليمي للجنة الدولية للصليب الأحمر(ICRC). بالمقابل، هناك 14 ممثلية لإقليم كوردستان العراق في دول متعددة منها: استراليا، جمهورية النمسا، جمهورية فرنسا، المانية الاتحادية، جمهورية ايران الإسلامية، جمهورية إيطاليا، جمهورية بولندا، روسيا الاتحادية، مملكة اسبانيا، مملكة السويد، المملكة المتحدة البريطانية، الولايات المتحدة الأمريكية، وهناك بعثة حكومة إقليم كوردستان في الاتحاد الأوربي (حکومەتی هەرێمی كوردستان، 2023). وهذا يدل على أهمية الاقليم كفاعل مهم وكذلك الاعتراف الرسمي بالاقليم، حيث كلما زاد عددالممثليات الدبلوماسية الأجنبية في إقليم كوردستان، زادت درجة الأعتراف الدولي والاهتمام به (Ababakr, 2020, p. 22)

بالإضافة الى ذلك، زيادة الزيارات الرسمية المتبادلة بين مسؤولي الاقليم ومسؤولي الدول المختلفة يدل ايضا على اهمية الاقليم كفاعل سياسي. على سبيل المثال، قام الرئيس السابق للإقليم السيد مسعود البارزاني بنحو 85 زيارة خارجية في الفترة من 2005 إلى 2017، إذ استُقبل على أنه رئيس دولة وليس رئيس إقليم داخل دولة فدرالية، بالمقابل استقبل السيد البارزاني في نفس المدة ما يقارب 566 وفداً خارجياً رفيع المستوى (Ababakr, 2020, p. 9). ومن احدى الزيارات على المستوى الرئاسي، زيارة رئيس الإقليم عام 2015 إلى الولايات المتحدة الأمريكية والتقى بالرئيس الأمريكي (أوباما)، بهدف مناقشة الأوضاع السياسية الدائرة في المنطقة وتعزيز العلاقات بين الطرفين (The White House, B.,2015). واكد نائب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية آنذاك (جو بايدن) لرئيس الإقليم على استمرارية دعم الولايات المتحدة الأمريكية وعلى شجاعة قوات البيشمركة ومن جانبه قدم رئيس الإقليم شكره على الدعم العسكري الذي قدمه الولايات المتحدة للبيشمركة بما في ذلك قرار أوباما الذي نص على حماية أربيل من الهجمات الارهابية (The White House, B., 2015). وفي المقابل، قام وفد رفيع المستوى من الولايات المتحدة بقيادة نائب وزير خارجيتها إلى إقليم كوردستان ليتم التباحث حول الاستعدادات العسكرية والتخطيط بين الطرفين لاستعادة بعض المناطق التي سيطر عليها التنظيم الإرهابي، مثل الموصل والتأكيد على أهمية وجود خطة سياسية للمستقبل (روداو، 2016).

وقد تم ايضا زيارة مهمة متبادلة بين الرئيس الفرنسي السابق (فرنسوا هولاند) ورئيس إقليم كوردستان بهدف توطيد العلاقات والتأكيد على دور الإقليم في محاربة الإرهاب وكذلك التركيز على الاتفاقيات والمفاهيم الدولية والإقليمية الجديدة بشأن ملفات المنطقة خاصة ما يتعلق بالملف السوري (عمر، 2016)، بالإضافة الى الدعم السياسي والإنساني للإقليم ودعمه عسكرياً ضد التنظيمات الإرهابية (KDP, 2015). وتم زيارات رسمية اخرى للدول الاوروبية ودول الخليج العربي، مثل زيارة رئيس حكومة الاقليم السيد نجيرفان البارزاني عام 2015 الى السعودية واستقباله من قبل الملك بن سلمان استقبالاً استثنائياً حمل في طياتها التقدير والتمني نحو توطيد العلاقات بين الطرفين (مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية ، 2015).

الفرع الثاني: العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وإقليم كوردستان- العراق بعد استفتاء إقليم كوردستان- العراق في ايلول 2017

 منذ عام 2014 استفاد كل من إقليم كردستان – العراق وقوات البيشمركة من المساعدات الأمنية والعسكرية والاقتصادية الأمريكية، وبما يتماشى مع توجيهات الكونجرس، ولكن مع إعلان حكومة الإقليم إجراء استفتاء الاستقلال في 25 أيلول عام 2017، برزت بوضوح الاعتراضات الدولية، وخاصة الدول الاقليمية، والأمريكية وكذلك العراقية حول قيام الإقليم باستفتاء احادي الجانب (Congressional, 2017, p. 30)، وبالتالي كان هناك تأثير سلبي على علاقاتهم الدبلوماسية مع الاقليم. كان الموقف التركي رافضاً لإجراء الاستفتاء، حيث وصف وزير خارجيتها قرار إجراء الاستفتاء بأنه "خطأ مميت"، وأنه لن يؤدي الاستفتاء إلى الاستقلال، بل إلى تفاقم الوضع في البلاد، التي تعاني بالفعل من ازمة كبيرة، وقد يقود البلاد إلى حرب اهلية (News, 2017). لذلك وصف الرئيس التركي" اردوغان" في حينها استفتاء الإقليم بـ "بالمغامرة التي يجب أن تنتهي" (عبدالرزاق، 2017). كما وصف مسؤولو الاتراك، أنَّ تركيا ستتعامل مع الاستفتاء على انها مسألة تمس أمنها القومي (النجار، 2022، صفحة 553). وبعد انتهاء اجراء الاستفتاء في 25\ايلول 2017، جاء الموقف التركي مؤكداً لمواقفها السابقة من الاستفتاء، إذ صدر بيان من وزارة الخارجية في نفس يوم الاستفتاء، بأن انقرة لا تعترف باستفتاء انفصال إقليم كوردستان، باعتبارها فاقدة لكافة أنواع الشرعية (النجار، 2022).

 إنَّ موقف إيران لم يكن مختلفاً عن الموقف التركي، ففي البداية قامت إيران بأرسال عدة وفود على مستويات مختلفة لمنع إقليم كوردستان عن الاستمرار في الاستفتاء، الذي تعارض مع مصالحهما المباشرة في العراق. وقد زار قائد فيلق القدس "قاسم سليماني" اقليم كوردستان لإقناع قادة الكورد للتراجع عن إجراء الاستفتاء، ولكن رغم ذلك، تم اجراء الاستفتاء في موعده المحدد، لذلك، فرضت إيران عقوبات على الإقليم والتي تمثلت بأغلاق أراضيها البرية تجاه الإقليم (الحميري، 2021، صفحة 136). كما أدان البرلمانيون الإيرانيون بشدة الاستفتاء على انفصال الأقليم عن العراق " وأعلنوا بأنَّ الاستفتاء "غير قانوني" (Bbc, 2017). ويرجع ذلك، إلى حقيقة، ان تأٍسيس دولة كوردية في العراق قد يشجع النزعة القومية لدى الكورد الذين يقطنون في إيران. وقد تشكل هذه الدولة عائقاً امام طموحات إيران بأنشاء هلال أو ممر شيعي بين بيروت ودمشق وبغداد. وقد يؤدي الانفصال إلى تقسيم العراق وظهور انفصال اخر فيه يتمثل بانفصال السنة العراقيين ومطالبتهم بأنشاء دولتهم أو اقليمهم الخاص (الحميري، 2021، صفحة 133 :عبدالله، 2017).

اما فيما يتعلق بموقف الاتحاد الأوربي، فقد أكد دعمه الثابت لوحدة العراق وسيادته وسلامته الإقليمية. وحسب الاتحاد الأوروبي فأن الإجراءات الانفرادية، مثل الاستفتاء المقترح، تؤدي إلى نتائج عكسية ويجب تجنبها، وبدلاً من ذلك فقد اشار الاتحاد إلى أن هناك قضايا عالقة بين أربيل وبغداد تحتاج إلى حل. وينبغي أن يتم ذلك من خلال حوار سلمي وبناء يفضي إلى حل متفق عليه بصورة متبادلة قائم على التطبيق الكامل لأحكام الدستور العراقي European union external) (ection,A.,2017. ورحب الاتحاد الأوروبي بمبادرة الأمم المتحدة لتسهيل الحوار بين الطرفين وقدم دعمه لهذه العملية إذا طلب منه ذلك. وأكد الاتحاد الاوروبي أنه من الضروري اتباع نهج موحد يشمل جميع أنحاء العراق، بغية إعادة بناء البلد وانهاء مشكلة العنف واستعادة الاستقرار، وخاصة أنه لن تنتهي المعركة ضد داعش والتطرف العنيف حتى بعد إنهاء الحملة العسكرية بنجاح ولا تزال هناك العديد من القضايا الأخرى التي لم يتم حلها والتي لا يمكن إيجاد حل لها إلا من خلال الوحدة المستمرة والتركيز على التحديات المشتركة (European union external ection,B, 2017).

وبالنسبة للموقف الأمريكي من الاستفتاء، فمنذ البداية، صرح المتحدث باسم الوزارة الخارجية الأمريكية عن خيبة الأمل العميقة لأن إقليم كوردستان - العراق قرر إجراء استفتاء أحادي الجانب، بما في ذلك في المناطق المتنازع عليها (2017, U.S. Department of State). وأرسل وزير الخارجية الأمريكي آنذاك ريكس تليرسون رسالة إلى رئيس إقليم كوردستان – العراق السيد مسعود البارزاني في 23 أيلول عام 2017 (البارزاني، 2020)، يعترف فيها بمخاوف كوردستان وحقوقها الدستورية (Palani, Khidir, Dechesne, And Bakker, 2019, p. 11)، إلا أن بلاده تعارض بشدة الاستفتاء على الاستقلال، كما أن جميع الدول الاقليمية، والمجتمع الدولي بأسره تقريبا عارض هذا الاستفتاء  (Nauert, 2017). وحث القادة الكورد على قبول البديل، وهو حوار جاد ومستدام مع الحكومة المركزية، تيسره الولايات المتحدة الأمريكية والأمم المتحدة، وشركاء آخرون، لحل جميع المسائل ذات الاهتمام، وطبيعة العلاقة المستقبلية بين الجانبين (البارزاني، 2020، الصفحات 88-89)

ولكن، كما ذكر السيد البارزاني، في كتابه، أنه وبحلول الوقت الذي استُلمت رسالة تليرسون كان الاستفتاء قد أصبح بالفعل أمرًا واقعاً، فالمجلس الأعلى للاستفتاء في إقليم كردستان تلقى الرسالة في وقت متأخر من يوم 23 أيلول، وكان الاستفتاء قد تحول من يد الأشخاص والأطراف الكوردستانية إلى شعب كوردستان. بالإضافة إلى أن المجلس اعتقد بأن البدائل لم تقدم وعوداً حقيقية في المستقبل. ولم يتضمن بديلاً يقنع شعب كوردستان للتنازل عن الاستفتاء. من ناحيتي الصياغة والمضمون كانت رسالة جيدة، ولكنها كانت خالية من الضمانات المطلوبة لكي نستطيع الاعتماد عليها أو نثق بها (البارزاني، 2020، صفحة 89)، حيث لا يوجد التزام بطريقة تمكن أوروبا والأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية من فرض ذلك على حكومة بغداد (مسعود، 2018).

ولكن على الرغم من الاعتراض الامريكي، يمكن اعتبار رسالة تليرسون تفاعلاً دبلوماسياً عالي المستوى مع القيادة الكوردية فيما يتعلق بمصير إقليم كوردستان-العراق (مقابلة مع مسؤول سياسي كوردستاني، 12\1\2023)، وحسب الرسالة إن معارضة الولايات المتحدة الأمريكية كانت على توقيت الاستفتاء، وليس على طموحات الشعب الكوردي بإقامة دولة كوردية مستقلة في المستقبل، إذ قال وزير الخارجية الأمريكية آنذاك إنه: "من ناحية المبدأ نتفهم وندعم الرغبة المشروعة من أجل استقلال إقليم كوردستان؛ إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية عدّت أولوية مكافحة المنظمات الإرهابية مثل تنظيم داعش أكثر أهمية من إجراء الاستفتاء، الذي عدتّه بلاده بأنه سيضر بالحكومة المركزية العراقية، كما أن الاستفتاء سيغذي التوترات العرقية والطائفية التي ستعمل على تعزيز القوى السياسية العراقية القريبة من إيران"  (أمين، 2021، صفحة 372).

بالرغم من الاعتراض الامريكي والدولي على اجراء الاستفتاء، ساد الاعتقاد لدى بعض القادة الكورد أن الولايات المتحدة الأمريكية ستمنع أي شكل من المواجهة العسكرية في حال حدوثها بين بغداد وأربيل، وإذا ما هاجم الجيش العراقي المدعوم من الميليشيات المتحالفة مع إيران على قوات البيشمركة في المناطق المتنازع عليها، فإن الولايات المتحدة الأمريكية ستقف بالضد في وجهها. واستند هذا التصور إلى افتراض أن سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تهدف الى تقليص النفوذ الإيراني في العراق (Palani, Khidir, Dechesne, And Bakker, 2019, p. 11). ولكن السياسة الأمريكية تجاه العراق كانت واضحة، حيث تهدف إلى بناء دولة مستقرة قوية بعيدة عن النفوذ الايراني، فبناء دولة كوردية مستقلة في وقتها لم تكن تخدم هذا التوجه، حيث الاستفتاء نحو بناء دولة كوردية مستقلة سيضعف الحكومة العراقية امام النفوذ الايراني في العراق (البارزاني، 2020، صفحة 49).

ولذلك، عندما بدأت القوات العراقية بالزحف العسكري لاستعادة كركوك والمناطق المتنازع عليها في اكتوبر 2017، أمريكا لم تعارض هذا الزحف (سلوم، 2018، صفحة 6). وأنَّ الصمت الامريكي للسيطرة الأمنية للحكومة العراقية في كركوك والمناطق المتنازع عليها أحيا مخاوف الإقليم بشأن ديمومة الالتزامات الأمريكية تجاه أمنه وبقائه (Congressional, 2017, p. 30). وذكر رئيس حكومة إقليم كوردستان - العراق السيد نجيرفان البارزاني في هذا الشأن إن: "الكورد كانوا يتوقعون ان تقف الولايات المتحدة الأمريكية إلى جانبهم في حال تعرض إقليم كوردستان للتهديد"، مشيراً إلى أنه: "لم يكن متوقعاً أن تستخدم الدبابات الأمريكية الممنوحة للجيش العراقي ضد كوردستان من قبل الحشد الشعبي" (وكالة الصحافة المستقلة، 2017). وأكد رئيس الإقليم السيد مسعود البارزاني أنه كان بإمكان الأمريكيين سد الطريق أمام الجيش العراقي وحزب الله والحشد الشعبي، أو على اقل كانوا يستطيعون عدم منح دبابة الأبرامز للحشد ليستعملها ضد البيشمركة بعد الاستفتاء، ولكنهم لم يفعلوا (البارزاني، 2020، صفحة 108).

يتبين لنا مما سبق، أنه على الرغم من العلاقات القوية بين الولايات المتحدة وإقليم كوردستان – العراق وأن الكورد اثبتوا أنهم الحليف الاكثر موثوقية في العراق للولايات المتحدة والحلفاء، أن موقف الولايات المتحدة الاخيرة لم يكن لصالح الإقليم وكان مخيبا لتوقعات القادة الكورد. وقد بات واضحا للجميع أن الولايات المتحدة لا تتعامل مع مصالحها وأهدافها الاستراتيجية في العراق على أساس الصداقة والعداوة، بل على أساس المصالح الثابتة. في هذا السياق، الولايات المتحدة هي مع دولة عراقية قوية ذات سيادة ومستقلة عن النفوذ الخارجي، وخاصة الايراني، ولذلك، تأييد استفتاء انفصال الإقليم لا يخدم الاستراتيجية الأمريكية في العراق والمنطقة بأكملها. 

ولكن على الرغم من فتور العلاقات بين الولايات المتحدة والإقليم اثناء وبعد الاستفتاء، إقليم كوردستان – العراق لازال يحتل مكانة مهمة في السياسة الأمريكية تجاه العراق. ولذلك، أعربت الولايات المتحدة الأمريكية من خلال وزارة خارجيتها حتى ان عدم موافقتها على استفتاء انفصال إقليم كوردستان عن العراق لا يعني قطع علاقاتنا معها، بل ستبقى علاقات بلادها التاريخية مع شعب إقليم كوردستان مستمرة (2017, U.S. Department of State). وان سياستها تجاه الاستفتاء كانت من إطار معارضتها للاستفتاء فقط وليس من إطار دعم سياسة بغداد على حساب الإقليم. ولذلك صرح الرئيس الأمريكي (ترامب) بأن بلاده يأخذ موقف عدم الانحياز تجاه الصدام بين حكومة بغداد والإقليم في 16 اكتوبر حيث جاء على حد تعبيره "لا نحب حقيقة انهما يتصادمان، لكننا لا ننحاز إلى أي طرف" (Guardain, 2017).  إن هذا الموقف الحيادي، وعدم منع الجيش العراقي من استخدام القوة العسكرية تجاه الإقليم، قد يكون بسبب أن الإدارة الأمريكية كانت ترى بأن دعمها لأي طرف سينتهي بحرب أهلية، لذلك قررت عدم التدخل (مقابلة مع مستشار سياسي كوردستاني، 10\1\2023). وقد يعتبر عقوبة للإقليم بسبب إجرائه الاستفتاء بالرغم من الاعتراض الامريكي وطلبها من الاقليم العدول عن ذلك (مقابلة مع مسؤول سياسي كوردستاني، 12\1\2023).

 بالإضافة الى ذلك، وعلى الرغم من موقفها المعارض للاستفتاء، قررت الولايات المتحدة تأسيس أكبر قنصلية لها في أربيل، بإشارة منها إلى التعاون والتنسيق مع إقليم كوردستان في المستقبل القريب (2017, U.S. Department of State). كان فتح القنصلية الامريكية في اربيل لأول مرة عام 2011، الا أن الحجر الأساس لأنشاء أكبر قنصلية لها في أربيل قد وضع في 6 يوليو عام 2018، إذ صرح القنصل الأمريكي في أربيل "روبرت پالەدینۆ " بأن: "هذه القنصلية هي أكبر قنصلية أمريكية في العالم، وإذا ما تسائلنا لماذا تبني الولايات المتحدة الأمريكية هذه القنصلية الكبيرة هنا؟ فيجب التذكير بأن الولايات المتحدة موجودة هنا وملتزمة بشدة تجاه الإقليم وستظل هنا، ونعتقد أنه من الأفضل التعاون سوياً ما بين الولايات المتحدة الأمريكية وإقليم كردستان" (پالەدینۆ، 2021). بدون شك، يدل بناء هذه القنصلية إلى أهمية الإقليم بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية وعلى قوة العلاقات بين الطرفين والرغبة الجادة في تعزيزها (سالەيى، 2018)، وهذا ما اكده السيد مسرور البارزاني حينما أشار إلى ان الشراكة بين الإقليم والولايات المتحدة الأمريكية طويلة الأمد، وهي مترابطة مع بعضها عبر القيم المشتركة (Barzani, 2021). كما وأكد القنصل الأمريكي ايرفن هيكس أيضاً في إقليم كوردستان، بأن علاقاتنا مع إقليم كوردستان قوية ولدينا قيم مشتركة في مجال الديمقراطية والحرية وكذلك لدينا ضحايا مشتركة في عملية القضاء على النظام الدكتاتوري والإرهاب (هيكس، 2022).

وفي السياق ذاته، في 21 أيلول 2022، وقعت مذكرة تفاهم بين مساعد وزير الدفاع الأمريكي سيليست ووزير البيشمركة شورش إٍسماعيل لمواصلة دعم عمليات البيشمركة لمحاربة الإرهاب. وتعكس هذه المذكرة التعاون طويل الأمد بين الولايات المتحدة وإقليم كوردستان-العراق، والتزامها المشترك بهزيمة التنظيمات الإرهابية (U.S. Embassy And consulate in iraq, 2022). في هذا الصدد، أكد السيد نجيرفان البارزاني، بان النقطة الأهم في هذه المذكرة هي أن الجانبين متفقان على أن داعش لا يزال يشكل تهديدا خطيرا وحقيقيا وأنه لا يزال واجبا مشتركا لكوردستان والعراق والولايات المتحدة وحلفائها، لمواصلة التعاون بين الجانبين حتى الهزيمة النهائية لمثل هذه التنظيمات. كما ذكر السيد البارزاني بان محاربة الارهاب "ليس فقط هدفا مشتركاً لإقليم كردستان والعراق والولايات المتحدة، ولكنه أيضاً هدف مشترك للتحالف الدولي" (سەرۆکایەتیی هەرێمی کورستان عێراق، 2022). ومن خلال هذه المذكرة، تؤكد الولايات المتحدة مجددا التزامها بدعم مساهمات قوات البيشمركة في عمليات هزيمة داعش، ودعمها الإصلاحات المؤسسية في وزارة البيشمركة بإجراء إصلاحات إضافية لتعزيز الطابع المهني على قواتها ((U.S. Embassy And consulate in iraq, 2022. وحسب مسؤول كوردستاني، بالإضافة الى تدريب وتجهيز قوات البيشمركة، تضمنت المذكرة نصاً بانه إذا لزم الامر سوف يتم تجديدها كل أربع سنوات (مقابلة مع مسؤول سياسي كوردستاني، 12\1\2023). لذلك، كل هذه المؤشرات التي تلت فترة ما بعد الاستفتاء يدل على بقاء الولايات المتحدة مع الإقليم وملتزمة بحمايتها كفاعل أساسي لتحقيق استراتيجيتها في العراق.

الخاتمة

تناولت هذه الدراسة مكانة إقليم كوردستان - العراق في الاستراتيجية الامريكية في الشرق الأوسط بشكل عام، والعراق بشكل خاص في الفترة ما بين 2003 و2021، ودور إقليم كوردستان في تحقيق الاهداف الاستراتيجية الامريكية في العراق، والتي تتمثل في نشر الديمقراطية كنظام سياسي معتمد والسعي نحو استقرار منطقة الشرق الأوسط ومكافحة الإرهاب، والتي تعتبر من اهم القضايا الدولية حالياً. ومن هنا جاء تساؤل الدراسة الرئيسي: الى أي مدى يتمتع إقليم كوردستان-العراق بمكانة ثابتة في الاستراتيجية الامريكية في الشرق الأوسط بشكل عام، وفي العراق بشكل خاص؟

للإجابة على تساؤل الدراسة، قدمت هذه الدراسة تحليلا معمقا لاهم الاهداف الاستراتيجية للولايات المتحدة في العراق بعد 2003 ومكانة اقليم كوردستان – العراق في تلك الاستراتيجية. وقد توصلت الدراسة الى استنتاج رئيسي، مفادها ان المستجدات الإقليمية والظروف السياسية الداخلية للعراق والأمنية في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام والعراق بشكل خاص، خاصة بعد عام 1991، جعل من إقليم كوردستان العراق ان تكون له مكانة مميزة في استراتيجية الولايات المتحدة الامريكية تجاه العراق ومنطقة الشرق الأوسط. سواء من ناحية نشر الديمقراطية ومساندتها أو من ناحية القضاء على الارهاب والجماعات الارهابية، خاصة تنظيم الدولة الاسلامية بعد ظهورها في عام 2014.  ولكن وبالرغم من الدور الذي يؤديه الإقليم وتمتعه بهذه المكانة المتميزة على اعتبارها كياناً وفاعلاً سياسياً من غير الدول في الاستراتيجية الامريكية، الا انه لا يمكننا الجزم بأن هذه المكانة والعلاقة ستكون ثابتة ومستمرة كاستمرارية مكانة الدول الحليفة والاستراتيجية لدى الولايات المتحدة الامريكية، اذ ان هذه المكانة جاءت نتيجة توافق مصالحها مع تطلعات إقليم كوردستان سياسياً، وكذلك بسبب ظروف سياسية وأمنية مرت بها العراق والمنطقة بشكل عام. ولكن بحكم تغيير مصالح الولايات المتحدة الامريكية وتغيير المستجدات والظروف الداخلية للعراق والاقليمية لها، قد يتعرض الإقليم بأن يشهد تغييراً في الاستراتيجية الامريكية تجاهها، أو على الأقل تغييراً في نمط علاقاتها مع الإقليم. مثلما شاهدنا هذا التغيير من موقفها تجاه إقليم كوردستان في قضية استفتاء الاقليم عام 2017، على اعتبار ان الولايات المتحدة الامريكية تتبنى سياسة معينة تجاه العراق، وهي جعلها دولة ذات سيادة كاملة ومستقلة من التدخلات الإقليمية ومتمتعاً بالاستقرار الأمني الذي يؤكد على تحقيق مصالحها في المنطقة. ولدعم النتيجة الرئيسية لهذه الدراسة، ادناه الحجج الرئيسية والنتائج التي توصلت اليها هذه الدراسة:

أولاً: في مرحلة اسقاط النظام البعثي في العراق، فقد شاهدنا تفاعل الولايات المتحدة مع حكومة الإقليم بشكل يوحي الى الاعتبارات السياسية للإقليم كأحد المكونات الرئيسية في العراق. وتأكيداً على ضمان حقوقها السياسية في المستقبل، وبرعاية منها نظم مؤتمر لندن عام 2002، بين كافة فصائل المعارضة العراقية، لمناقشة سقوط النظام العراقي، لأسباب تتعلق بامتلاكها لأسلحة الدمار الشامل وقضية ارتباطها بأحداث 11 أيلول الإرهابية. وبموجبها وجد الكيان الكوردستاني نفسه ولأول مرة في تاريخه في تحالف مع الولايات المتحدة الامريكية، بعد ان رفض البرلمان التركي استخدام أراضيها من قبل الولايات المتحدة لإسقاط النظام العراقي. هذا الرفض التركي أتاحت لإقليم كوردستان بأن يقدم نفسه بوصفه عاملاً مساعداً ونقطة انطلاق لتطبيق الاستراتيجية الامريكية المتمثلة بتبني الديمقراطية وضمان حقوق الانسان وحرياته، ليس في إقليم كوردستان فحسب، بل في العراق بأكمله. وعلى اعتبار ان إقليم كوردستان تتمتع بمقومات وخصائص عديدة منها ما هي متمثلة بالأرض، والجيش، والقومية، والنظام السياسي، وتجربة ديمقراطية جيدة ومستقرة وكيان سياسي تحت فرض الأمر الواقع، اذ منحت هذه الخصائص أن يؤدي الإقليم دوراً حيوياً في تحرير العراق، وفي مساهمة فعالة في الهدف الاستراتيجي الامريكي في انهاء النظام الدكتاتوري والبدء ببناء نظام ديمقراطي في العراق.

ثانياً: بعد سقوط النظام الدكتاتوري في العراق عام 2003، كان للكورد دور كبير في إدارة المرحلة الانتقالية، ومشاركة القادة الكورد (البارزاني والطالباني) في رئاسة مجلس الحكم ودورهم الفاعل والمؤثر في صياغة نصوص الدستور العراقي الجديد، المبني على أسس الديمقراطية والفيدرالية، والتصويت عليه وإنجاحه، وفي تثبيت الحقوق للمكونات المختلفة وملامح الشراكة والديمقراطية فيه.

ثالثاً: كما يمكن ان نتلمس مرحلة جديدة في العلاقات بين إقليم كوردستان العراق والولايات المتحدة في قضية مكافحة ومحاربة الإرهاب. كما بينا سابقا، ففي عام 2014 شهدت المنطقة والعراق بالذات ظهور التنظيم الإرهابي داعش، وكان لإقليم كوردستان – العراق وقواتها البيشمركة مكانة متميزة في الهدف الاستراتيجي الامريكي للقضاء على الارهاب والجماعات الارهابية. فمنذ بروز داعش في 2014، وجهت الإدارة الامريكية تقديم الدعم والمساعدات للإقليم واعتمد عليه في محاربته بعد ان سيطر التنظيم الإرهابي على مساحات واسعة من العراق، حيث تمكنت قوات البيشمركة بفضل هذا الدعم من قبل الولايات المتحدة وحلفائها من تحويل موقفها العسكري من قوة دفاعية الى قوة هجومية متمكنة. وبالفعل تمكنت القوات الكوردية من السيطرة على جميع المناطق المتنازع عليها وأثبتت قوات البيشمركة نفسها امام الولايات المتحدة الامريكية ودول التحالف وبينت قدرتها على محاربة الإرهاب والقضاء عليه.

رابعاً: من زاوية أخرى، لو تمعنا النظر الى قضية الاستفتاء ومعارضة الولايات المتحدة لقيام الإقليم بهذه الخطوة، خاصة في تلك الوقت، حيث كان الهدف الامريكي خلق دولة عراقية قوية ذات سيادة ومستقلة من التدخلات الإقليمية ومتمتعاً بالاستقرار الأمني، يتبين لنا مسألتين رئيسيتين: الأول، ان الولايات المتحدة قد تغير موقفها وسياستها الداعمة للإقليم لو تعارضت اهداف الاقليم ومصالحها مع اهداف الولايات المتحدة. الثاني، بالرغم من عدم دعم الولايات المتحدة للإقليم في قضية الاستفتاء، وتركها القوات العراقية بالسيطرة على كركوك والمناطق الاخرى المتنازع عليها، إلا أن الولايات المتحدة لم يتخلَ عن الاقليم بشكل كامل ودعمته في صد تحرك القوات العراقية والمليشيات للتوجه نحو المدن الثلاثة الرئيسية للإقليم، خاصة اربيل عاصمة الاقليم. وهذا ايضا يدل على بقاء تمتع الاقليم بمكانة في الاستراتيجية الامريكية في العراق.   وكان استمرار علاقات الولايات المتحدة مع الإقليم بعد الاستفتاء خير دليل على ذلك بل ذهب الى ابعد من ذلك حيث قررت بعد موقفها المعارض للاستفتاء بناء قنصليتها في أربيل، والتي تعد أكبر قنصلية أمريكية في العالم. فهذه القنصلية بمثابة جسر لتقوية العلاقات ما بين الولايات المتحدة الامريكية وإقليم كوردستان وتعزيز التعاون والتفاهم بينهما، ليس فقط على الصعيدين العسكري والسياسي، بل من الممكن أنَّ تتطور في جوانب عدة مثل الاقتصاد والاستثمار والثقافة والتعليم وما شابه ذلك.

قائمة المصادر

أمين، س. ح. (2021). الاهمية الجيوستراتيجية لإقليم كردستان العراق من المنظور الاقليمي والدولي. المجلة الاكاديمية العلمية العراقية، 23(23)، 347-380.  https://www.iasj.net/iasj/article/204970

البارزاني، م . (2020). للتاريخ . روكسانا.

البارزاني، م . (2022). لقاء مسعود بارزاني مع قناة BBC News عربي. بيبيسي عربي. https://www.youtube.com/watch?v=nItn_GIIewI

افتتاح قنصلية أمريكية في إقليم كوردستان-العراق..(2011)  القدس العربي. doi:https://www.alquds.co.

بريمر، ب. (2006). عام قضيته في العراق النضال لبناء غدا مرجو. ع. الايوبي،( ترجمة.( بيروت: درا الكتاب العربي.

بيتر و. غالبريث. (2007). نهاية العراق. أ. احمد، (ترجمة). الدار العربية للعلوم ناشرون.

پالەدینۆ، ر. (2021). کونسوڵی ئەمریکا: هەرێمی کوردستان و ئەمریکا پێکەوەبن باشترن. هەرێم نیوز. https://haremnews.com/details/22411           

الجزيرة. (2002). نص البيان الختامي لمؤتمر المعارضة العراقية في لندن. الجزيرة. https://www.aljazeera.net/news/        

جمكاري، ا. (2017). البارزاني يعقد سلسلة لقاءات على هامش أعمال مؤتمر ميونخ. رووداو. https://www.rudawarabia.net/arabic/world/170220178

حسن، ف. (2023). القوات الحزبية تحد خطير أمام إقليم كردستان. شبكة أخبار العراق. https://aliraqnews.com/

حکومەتی هەرێمی كوردستان. (2023). حکومەتی هەرێمی كوردستان. https://gov.krd/

الحميري، إ. أ. (2021). الدول الاقليمية واقليم كوردستان العراق بعد 2003 دراسة في تطور المواقف والعوامل المؤثرة . دارة الابداع للطباعة والنشر والتوزيع صلاح الدين.

درويش، م. ح. (2013). اشكالية بناء المؤسسات السياسية الدستورية في العراق 9 نيسان 2003. سليمانية: جامعة سليمانية.

دزيي، س. (2020). لإقليم كوردستان مكانة خاصة والدول تنظر باهتمام لدوره في المعادلات السياسية. دائرة العلاقات الخارجية حكومة اقليم كوردستان .  http://archive.gov.krd/dfr/dfr.gov.krd/

دستور جمهورية العراق . (2005).

روداو. (2016). الإعلان عن مضمون اجتماع البارزاني مع الوفد الأمريكي في أربيل. رووداو. https://www.rudawarabia.net/arabic/kurdistan/1509201611

سالەيى، ص. (2018). كوردستان اقوى. رووداو. https://www.rudawarabia.net/arabic/opinion/24042018                    

سرحان، م. خ. (2013). الاوضاع السياسية لاكراد العراق في ضوء احتلال الامريكي (2003-2001). قاهر: جامعة الازهر .

سعيد، أ. م. (2010). كوردستان في استراتجية القوى الكبرى " القرن العشرون وما بعد " . هولير : جامعة صلاح الدين .

سلوم، م. (2018). الواقع السياسي الكردي والتأثيرات الاقليمية والدولية. قانة الجزيرة. https://studies.aljazeera.net/ar/reports/2018/08/180823083348322.html         

سەرۆکایەتیی هەرێمی کورستان عێراق. (2022). سه‌رۆك نێچيرڤان بارزانى سه‌رپه‌رشتيى واژۆكردنى ياداشتێكى لێكگه‌يشتنى ‏وه‌زاره‌تى پێشمه‌رگه‌ و پێنتاگۆن ده‌كات. سەرۆکایەتیی هەرێمی کورستان ـ عێراق. https://presidency.gov.krd/president-nechirvan-barzani-oversees-the-signing-of-

شرف، أ. ف. (2019). الحكم الصالح في إقليم كوردستان دراسة في مقومات والمعوقات 2013-1992. اربيل : هيفى.

صادق، س. ر. (2020). كوردستان له ستراتیژیەتی روژئاوادا. سليمانى : دةزكاى فام .

العابدين ، ا. ز.، و هاشم، ن. ج. (2018). اقليم كوردستان العراق في السياسة الامريكية دراسة استشرافية. مجلة القانون والسياسة، .134-135.

عبابكر، ي. م. (2013). دور الانتخابات البرلمانية في عملية تحويل الديمقراطي في العراق بعد 2003. اربيل : الحاج هاشم .

عبدالرزاق، س. (2017). أنقرة تسعى لتجاوز أزمة الاستفتاء باقل الخسائر. صحيفة العرب الاولى الشرق الاوسط .      https://aawsat.com/home/article/1037141               

عبدالغفور، ئ. ن. (2017). کاریگه ریی دوسته بژیری سیاسی له سه ر پروسه ی به دیموکراسیکردنی عیراق دوای ۲۰۰۳. هولير: جامعة صلاح الدين.

عبدالله، س. (2017). لماذا تعارض إيران الاستفتاء في اقليم كوردستان العراق؟. منتدى فكرة. https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/lmadha-tard-ayran-alastfta-         

العزاوي، د. م. (2009). الاحتلال الامريكية للعراق وأبعاد الفدرالية الكردية . الدار العربية للعلوم ناشرون، مركز الجزيرة للدراسات .

عزيز، س. (2019). هێزی پێشمەرگە؛ میکانیزمێک بۆ دروستکردنی دۆستایەتی لەگەڵ کۆمەڵگەی نێودەوڵەتی.

          ناوەندى کوردستان بۆ توێژینەوە لە ململانێ و قەیرانەکان ، 54، 4-14.

https://www.kurdistanc.com/Terror/details.aspx?jimare=          

العلوجي، ع. (2009). العراق أكذوبة الديمقراطية والحرية الامريكية . دمشق: دار العربية العربي.

علي، ع . (2009). مستقبل العلاقات الامريكية الكردية، هل ستصبح كردستان مستعمرة أمريكية؟ american muslims for constructive engagement       .

علي، ع. ع. (2021). التدخلات الدولية في الدول غير الديمقراطية ما بين تغيير الديمقراطية وتحقيق مصالح العراق كدراسة حالة ما بعد 2003. مجلة جامعة التنمية البشرية، 232-245. http://doi.org/10.21928/uhdiconfrpc.pp232-245

علي، ع. ع. & حسن، أ. أ. (2022). سياسة الضغط الأمريكي وعقوباتها في تغيير سلوك إيران. مجلة العلوم السياسية, (63), 44-74. https://doi.org/10.30907/jcopolicy.vi63.520

 

علي، م، م. (2018). المخطط الامريكي لاحتلال العراق. الاسكندرية: دار الوفاء لدنيا الصباعة والنشر.

عمر، ح. (2016). عن زيارة الرئيس البارزاني إلى فرنسا. رووداو. https://www.rudawarabia.net/arabic/opinion/09092016       

عيسى، ص. ع. (2012). فاکته ره کاریگه ره کان له سه ر په یوه ندیه کانی نیوان هه ریمی کوردستانی عیراق و ئه مريكا له دوای سالی ٢٠٠٦. ياسا وراميارى، 10(12)، .77 -27

فياض، م. (2022). مؤتمر ميونخ والانفتاح على الكورد. قناة رووداو. https://www.rudawarabia.net/arabic/opinion/

قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية . (2003).

الكبيسي, ي. (2013). العراق: الاحتجاجات وأوزمة النظام السياسي. مركز الدراسات والابحاث العربية.(2), 83-99. https://siyasatarabiya.dohainstitute.org/ar/issue002/Documents/Siyassat02-2013_Issue.pdf

مجلس الامن الدولي .(2003). القرار 1483 (2003) الذي اتخذه مجلس الأمن في جلسته 4761 المعقودة في 22

                    أيار/مايو  2003. الأمم المتحدة. https://www.un.org/securitycouncil/ar/content/resolutions-adopted-security-

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية .(2015).  الملك سلمان والرئيس البارزاني ومرحلة التحالف الإقليمي. مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية. https://rawabetcenter.com/archives/15983

مسعود، م. (2018). بارزاني: رغم الخسائر، الأكراد لديهم "مستقبل واعد" إذا اتحدوا. رووداو. https://www.rudaw.net/english/interview/10012018

موقع برلمان العراق .(2005). نتائج انتخابات عام 2005. برلمان العراق. https://iq.parliament.iq/

موقع برلمان كوردستان-العراق. (1992). الدورة الاولى 1992. برلمان كوردستان - العراق. https://www.parliament.krd/arabic

موقع برلمان كوردستان-العراق. (2005). مشاركة كورد في انتخابات مجالس محافظات 2005. برلمان كوردستان.   https://www.parliament.krd/arabic             

ميديا، ك. (2016). كوردستان في الجغرافيا الجديدة للشرق الأوسط..الرئيس البارزاني يستعرض في مؤتمر ميونيخ ال(52)للامن العالمي ،موقع أقليم كوردستان. https://www.gulanmedia.com/en

ناتالي، د. (2015). المساوئ والمكاسب من الاعتماد على الأكراد في حرب داعش. نون بوست. https://www.noonpost.com/content/6431

نامق، ه. ف. (2017). کاریگەریەکانی هێرشی ڕێکخراوی دەوڵەتی ئسلامی لە سەر بواری سەربازی هەرئمی کورستان. اربيل : زانکۆی سەلاحەدین.

النجار، ر. (2022). الموقف التركي من مطالب اقليم كردستان العراق بالاستقلال عام 2017. ortadogu etutler i، 13(4)، 537-563. https://doi.org/10.47932/ortetut

هالو، س. گ. (2016). کاریگه رییه کانی به جیهانیبوون له سه ر په یوه ندییه کانی ده ره وهی حکومه تی هه ریمی كوردستان. هولير : زانکوی سه لاحةدين - هولير.

هيكس، ا. (2022). القنصل الامريكي لنوا: علاقات امريكا مع اقليم كوردستان قوية وستبقى قوية. نوا. https://www.radionawa.com/all-detail.aspx?Jimare=31786       

وكالة الصحافة المستقلة. (2017). بارزاني: الكورد أصيبوا بخيبة أمل من موقف الولايات المتحدة من استفتاء كوردستان. وكالة الصحافة المستقلة. https://mustaqila.com/

ئاميدي، س. ا. (2011). التجربة الديموقراطية في اقليم كردستان. دهوك: مطبعة خاني.

ئەحمەد، ح. (2019). القضية الكوردية من منطور السياسة الخارجية دراسة حالة اقليم كوردستان. اربيل: متكب التفسير.

 

 

Ababakr, Y. M. (2020). Iraqi Kurdistan Region: from paradiplomacy to protodiplomacy. Emerald Insight, 1-20. https://doi.org/10.1108/REPS-01-2020-0002

ahmed, A. S. (2017). Kurdish Leader Aligns With White House Over Congress On ISIS         Strategy.  huffpost. https://www.huffpost.com/entry/masoud-barzani-isis_n_7221668

Ali, O. O. (2018). Unexpected effectiveness? The European Union and the long journey to the 2015 landmark greement on Iran’s nuclear programme (Doctoral dissertation, University of Glasgow).

Ali, O. O. (2018). The Diplomacy of Empathy in International Relations: The Case of the Negotiations over Iran's Nuclear Program (2003-2015). Journal of University of Human Development, 4(3), 79-92.  

https://doi.org/10.21928/juhd.v4n3y2018.pp79-92

Aydın, M. (2009). Reconstructing Turkish-American relations: Divergences versus convergences. New Perspectives on Turkey, 40, 125-146. https://doi.org/10.1017/S0896634600005240

Aziz, S., And Andrew, C. (2021). The Iraqi Kurdish Peshmerga: military reform and nation-building in a divided polity. Routedge taylor and francis group, 21(2), 226-241. https://doi.org/10.1080/14702436.2021.1888644

Barzani, M. (2021). Twitter. https://twitter.com/masrourbarzani/status/1440752726518874114

Basnews. (2021). برلمان كوردستان ووزارة البيشمركة يبحثان مستجدات عملية الإصلاح في الوزارة. basnews.      https://www.basnews.com/ar/babat/664732

Bbc. (2017). جلسه غیرعلنی مجلس ایران؛ نمایندگان رفراندوم کردستان عراق را محکوم کردند. bbc news.     https://www.bbc.com/persian/iran-41413667

Bush, G. (2003). President Discusses the Future of Iraq February 26, 2003. the white house. https://georgewbush-whitehouse.archives.gov/news/releases/2003/02/20030226-11.html

Bush, G. (2004). President Outlines Steps to Help Iraq Achieve Democracy and Freedom. the white house. https://georgewbush-whitehouse.archives.gov/news/releases/2004/05/20040524-10.htm

Bush, G. (2006). the natiomal security strategy of the united states america. Historical office of the secretary of defense. https://history.defense.gov/Historical-Sources/National-Security-Strategy/ 

Catherine, J. J. (2019). New head of KRG Foreign Relations Department takes office.k24. https://www.kurdistan24.net/en/story/20215-New-head-of-KRG-Foreign-Relations-Department-takes-office#:~:text=ERBIL%20%28Kurdistan%2024%29%20%E2%80%93%20Kurdish%20official%20Safeen%20Dizayee,the%20new%20government%20cabinet%20announced%20earlier%20in%20Jul.

Congress. (2010). H.Res.873 - Calling for the establishment of a United States   Consulate in the Kurdistan  Region of Iraq along with similar efforts in other areas of Iraq. congress, gov. https://www.congress.gov/bill/111th-congress/house-resolution/873/amendments

Congress. (2015). A.,  Public Law 113–235—dce. 16, 2014. authenticated U.S. government information . https://www.congress.gov/113/plaws/publ235/PLAW-113publ235.pdf

Congress. (2015). B., H. R. 1654 To authorize the direct provision of defense articles, defense services, and related training to the Kurdistan Regional Government, and for other purposes. authenticated u.s. covernment information. https://www.congress.gov/114/bills/hr1654/BILLS-114hr1654ih.pdf

Congress. (2016). A.,  PUBLIC LAW 114–92—NOV. 25, 2015. authenticated U.S. government information. https://www.congress.gov/114/plaws/publ92/PLAW-114publ92.pdf

Congress. (2016). C.,  All Information (Except Text) for H.Res.682 - Urging the Department of State to provide necessary equipment and training to the men and women of the Kurdish Peshmerga in the fight against the Islamic State of Iraq and Syria (ISIS). Congress.gov. https://www.congress.gov/bill/114th-congress/house-resolution/682/all-info  

Congress. (2017).  PUBLIC LAW 115–31—MAY 5, 2017. Gongress. gov. https://www.congress.gov/115/plaws/publ31/PLAW-115publ31.pdf

Congressional. (2017). Iraq: Background and U.S. Policy. Congressional Research Service, 4, 1-55. https://crsreports.congress.gov/product/pdf/R/R45025

Davis, E. (2005). Strategies for Promoting Democracy in Iraq. United States Institute of Peace, 1-20. https://www.usip.org/publications/2005/10/strategies-promoting-democracy-iraq

European union external ection. (2017). A., Statement by High Representative/Vice-President Federica Mogherini on the proposed Kurdish referendum in Iraq. https://www.eeas.europa.eu/node/32450_en

European union external ection. (2017). B., Local EU statement on the referendum announced by the President of the Kurdistan Region of Iraq. The Diplomatic Service of the European Union. https://www.eeas.europa.eu/node/30359_en

Fliervoet, F. (2018). Fighting for Kurdistan? Assessing the nature and functions of the Peshmerga in Iraq. Clingendael Netherlands Institute of International Relation, 2-30. https://www.jstor.org/stable/resrep17331.1

Gallant, J. A. (1991). Humanitarian Intervention and Security Council Resolution 688:       A Reappraisal in Light of a Changing World Order. American University International Law Review 7, no. 4, 881 - 920. https://digitalcommons.wcl.american.edu/cgi/viewcontent.cgi?article=1532&context=auilr

Guardain, T. (2017). US military rushes to defuse looming crisis in Kirkuk after Iraqi army advances. The Guardain. From https://www.theguardian.com/world/2017/oct/16/iraq-kurdish-forces-army-us-

KDP. (2015). https://www.kdp.info/a/d.aspx?l=14&a=75517

Knights, M. (2016). The U.S., the Peshmerga, and Mosul. the washington institute for near east policy. https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/us-peshmerga-and-mosul

Lawrence, Q. (2008). Invisible Nation: how the Kurds' Quest for Statehood is Shaping Iraq and the Middle East. New York: Walker. https://books.google.iq/books/about/Invisible_Nation.html?id=2pOe5HeFpE0C&redir_esc=y

Mcginn, J. (2018). Peshmerga Unification in Jeopardy. he london school of economic and political science. https://blogs.lse.ac.uk/mec/2018/03/16/peshmerga-unification-in-jeopardy/

Mohammed, A. J. (2013). The Politics of Iraqi Kurdistan: Towards Federalism or   Secession? University of Canberra. https://researchsystem.canberra.edu.au/ws/portalfiles/portal/33685753/file

Nauert, H. (2017). Iraqi Kurdistan Regional Government’s Planned Referendum. Washington https://2017-2021.state.gov/iraqi-kurdistan-regional-governments-planned-referendum

News,D. (2017). Iraqi Kurdish referendum could lead to civil war: Turkish FM. daily news. https://www.hurriyetdailynews.com/iraqi-kurdish-referendum-could-lead-to-civil-war-turkish-fm-116789

Obama. (2014). Statement by the President. The White House Office of the Press Secretary. https://obamawhitehouse.archives.gov/the-press-office/2014/08/07/statement-president

Palani, K., Khidir, J., Dechesne, M., And Bakker, E. (2019). The development of Kurdistan’s de facto statehood: Kurdistan’s September 2017 referendum for independence. Third World Quarterly(0143-6597), 1-19. https://doi.org/10.1080/01436597.2019.1619452

Rudaw. (2017). Kurdish government approves coalition proposal to restructure Peshmerga ministry. Rudaw

Shukri, A. (2017). Explaining U.S. Foreign Policy towards Kurdistan Region of Iraq (2003-2015). University of Leicester. https://figshare.le.ac.uk/articles/thesis/Explaining_U_S_Foreign_Policy_towards_Kurdistan_Region_of_Iraq_2003-2015_/10200461/1

Smith, C. (2018). Independent Without Independence: The Iraqi-Kurdish Peshmerga in International Law. Harvard International Law Journal, 59(1), 201-233. https://ssrn.com/abstract=3003644

The White House. (2009). 100 Things Americans May Not Know About the Bush Administration Record 2001-2009. the white house. https://georgewbush-whitehouse.archives.gov/infocus/bushrecord/index.html

The White House. (2015). A., our strategy to defeat and ultimately destory isil. The White House. https://obamawhitehouse.archives.gov/sites/whitehouse.gov/files/images/Blog/Anti-ISIL-Strategy_pocketcard_11202015.pdf

The White House. (2015). B., Readout of the President and Vice President's Meeting with Iraqi Kurdistan Region President Masoud Barzani. the white house. https://obamawhitehouse.archives.gov/the-press-office/2015/05/05/readout-president-and-vice-presidents-meeting-iraqi-kurdistan-region-pre

U.S. Department of State. (1998). Secretary of State Madeleine K. Albright, Jalal Talabani of the Patriotic Union of Kurdistan (PUK), and Massoud Barzani of the Kurdistan Democratic Party (KDP). U.S. Department of State. https://1997-2001.state.gov/statements/1998/980917a.html

U.S. Defense Security Cooperation Agency. (2017). Government of Iraq – Equipment for Two Peshmerga Infantry Brigades and Two Support Artillery Battalions. Defense Security Cooperation Agency. https://www.dsca.mil/sites/default/files/mas/iraq_17-10.pdf

U.S. Department of State. (2017). Statement on the Iraqi Kurdistan Regional Government’s Referendum. U.S virtual embassy Iran. https://ir.usembassy.gov/statement-iraqi-kurdistan-referendum

U.S. Embassy And consulate in iraq. (2022). joing statement on the renewal of the memorandum of understanding between the dod and the kurdistan regional government Ministry of peshmerga Affairs. U. S. Embassy consulate in iraq. https://iq.usembassy.gov/joint-statement-on-the-renewal-of-the-memorandum-of-understanding-between-the-dod-and-the-kurdistan-regional-government-ministry-of-peshmerga-affairs/

UNSC. (1991). Resolution 688 (1991) adopted by the Security Council at its 2982nd meeting, on 5 April 1991. United nation digital library. https://digitallibrary.un.org/record/110659

Webinger, T. (2015). THE KURDS : History - Religion - Language - Politics. Vienna: Austrian Federal Ministry of the Interior.


 

               

 

 

 

الملاحق

الملحق رقم 1: قائمة المقابلات

الشخص الذي تم مقابلة معه

التاريخ

المكان

مقابلة مع مسؤول سياسي كوردستاني

8\1\2023

دهوك

مقابلة مع مسؤول سياسي كوردستاني

10\1\2023

أربيل

مقابلة مع مسؤول عسكري كوردستاني

10\1\2023

أربيل

مقابلة مع مسؤول سياسي كوردستاني

12\1\2023

أربيل

مقابلة مع مسؤول سياسي كوردستاني

14\1\2023

أربيل

مقابلة مع جنرال عسكري كوردستاني

10\4\2023

دهوك

مقابلة مع أكاديمي كوردستاني

15\5\ 2023

دهوك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

پێگەهێ هەرێما کوردستان-عێراق ئ د ستراتیجیەتا ویلایەتێن یەکگرتی یێن ئەمریکادا : خاندنا نمونەیا عێراقێ وەکو کەیس (2003-2021)

پۆختە:

ڤێ ڤەکۆلینێ بزاڤ کرییە، پێگەهێ هەرێما کوردستانا عیراقێ د ستراتیژییا ویلایەتێن ئێکگرتی دا بەرانبەری ڕۆژهەلاتا ناڤین ب ڕەنگەکێ گشتی و عیراقێ ب ڕەنگەکێ تایبەت، یا کو د ناڤبەرا سالێن 2003ێ و 2021ێ دا دیار و شرۆڤە بکەت. بۆ ڤێ مەرەمێ، ڤەکۆلینێ بزاڤ کرییە وان ئارمانجێن ستراتیژی یێن کو وەلاتێ ناڤهاتی شرۆڤە بکەت یێن کو بەرانبەری عیراقێ هەر ژ سالا 2003ێ هەین، ب تایبەتی ل دۆر پرسا بەلاڤەکرنا دیمۆکراسیێ و ڤەگەهوهاستنا عیراقێ ژ وەلاتەکێ دکتاتۆری بۆ وەلاتەکێ دیمۆکراسی، هەروەسا پرسا بەرهنگاربوونا تیرۆرێ، ب تایبەت ژی پشتی دامەزراندنا دەولەتا ئیسلامێ ل عیراق و شامێ ل سالا 2014ێ. ڤێ ڤەکۆلینێ بزاڤ کرییە کو پێگەهێ هەرێما کوردستانا عیراقێ د ستراتیژییا ویلایەتێن ئێکگرتی دا بزانیت؛ کا ئەرێ هەرێما کورستانا عیراقێ پێگەهەکێ جهگر د ستراتیژییا دەولەتا ناڤهاتی دا هەیە؟ دیسان تا کو چ ڕادە هەرێما ناڤهاتی ڕۆل د جێبجێکرنا ئارمانجێن ویلایەتێن ئێکگرتی ل عیراقێ دا هەیە. ل ڤێرە، گرنگە بهێتە گۆتن کو دانوستاندنا سەرەکی یا ڤێ ڤەکۆلینێ ل دۆر وێ یەکێ یە، کو هەرێما کوردستانێ ڕۆلەکێ سەرەکی د جێبجێکرنا ئارمانجێن ویلایەتێن ئێکگرتی ل عیراقێ دا هەیە، ب تایبەت ژی ڕۆلێ هەرێما کوردستانا عیراقێ د بەلاڤەکرنا دیمۆکراسییێ دا، ب ڕێیا ژ ناڤبرنا سیستەمێ دکتاتۆری و بەرهنگاربوونا تیرۆرێ، ئەو ژی ب ڕێیا ژناڤبرنا ڕێکخستنا دەولەتا ئیسلامی ل عیراق و شامێ.

د چارچووڤەیێ لێگەڕیانا ڤێ ڤەکۆلینێ دا، کو ل وان ئارمانجێن ستراتیژی یێن ویلایەتێن ئێکگرتی بەرانبەری عیراقێ هەین و ڕۆلێ هەرێما کوردستانا د جێبەجێکرنا ڤان ئارمانجان دا کۆلایە، ڤەکۆلین ب وی دەرئەنجامی گەهشتییە؛ کو هەرچەندە هەرێما کوردستانا عیراقێ نە دەولەتە، لێ وێ جهەکێ تایبەت د ستراتیژییا ویلایەتێن ئێکگرتی دا هەیە، لەورا بۆ پرسا بەلاڤەکرنا دیمۆکراسییێ و بەرهنگاربوونا تیرۆرێ، ڕولەکێ گرنگ و کاریگەر د جێبجێکرنا ئارمانجێن دەولەتا ناڤهاتی دا هەیە، لێ سەرەرایی گرنگییا پێگەهێ هەرێما کوردستانا عیراقێ د ڤێ ستراتیژییێ دا، د شیان دا یە بهێتە گۆتن کو ئەڤ پیگەهە، نە پێگەهەکێ جهگر و بەردەوامە، ژ بەر کو گرنگییا ڤی پێگەهی پەیوەندی ب کاودانێن سیاسی و ئێمناهییێ ڤە هەیە، کو ئەڤ کاودانە سەدەم بوون، هەرێما کوردستانا عیراقێ پێگەهەکێ تایبەت وەربگریت، هەروەسا ژ هەژی ئاماژەدانێ یە کو پێگەهێ هەرێما کوردستانا عیراقێ، گرێدایی بەرژوەندییێن ویلایەتێن ئێکگرتی یە ل رۆژهەلاتا ناڤین ب گشتی و ل عیراقێ ب تایبەتی.

پەیڤێن سەرەکى: دیموکراسیەت، بەرهەنگاریا تیرورێ، ستراتیژیەت، هەرێما کوردستانێ، عێراق، ویلایەتێن یەکگرتی یێن ئەمریکا.

 

 

 

 

 

The status of the kurdistan region-iraq in the strategy of the united states of america: iraq as a case study

(2003-2021)

ABSTRACT:

This study aims to elucidate and analyze the role of the Kurdistan Region – Iraq in the strategy of the United States of America in the Middle East, particularly in Iraq, between 2003 and 2021. To achieve this, the study examines the strategic objectives of the United States towards Iraq since 2003, focusing on the promotion of democracy and the transformation of Iraq from a dictatorship to a democracy, as well as the war on terrorism, especially following the emergence of the Islamic State in Iraq in 2014. Specifically, the study investigates the Kurdistan Region – Iraq's consistent position in the US strategy and its role in achieving US strategic objectives in Iraq. It argues that since 2003, the Kurdistan Region – Iraq has played a crucial role in fulfilling US strategic goals in Iraq, whether in eliminating the dictatorial regime to promote democracy or in combating terrorism, particularly the Islamic State. By analyzing US strategic goals in Iraq and the Kurdistan Region's contribution, this study concludes that although the Kurdistan Region is a non-state actor, it has occupied a significant position in US strategy towards Iraq and the wider region, serving as a pivotal factor in promoting democracy and combating terrorism. However, the sustainability of this position is contingent upon the evolving political, security, and regional dynamics, as well as the ongoing strategic interests of the United States in Iraq and the broader region.

KEYWORDS: Democracy, Counterterrorism, Strategy, Kurdistan Region, Iraq, United States Of America.



* الباحث المسؤل.

This is an open access under a CC BY-NC-SA 4.0 license (https://creativecommons.org/licenses/by-nc-sa/4.0/)